تاريخ النشر: 14/02/2019
الناشر: شركة الياسمين للنشر
نبذة نيل وفرات:"الليل قد أرضى ستارته، والثلج لا يزال يتساقط... قد غططت في نومٍ عميق، وأنا جالسة أراقب هطله بسرور منبهرة بجماله وبهاء منظره، ولا يستطيع الناظر أن يتخلص من أسر سحره وجمال منظره، ولكم كان ممتعاً أن اشغل نفسي بعيداً عن الحزن والتفكير وأسرح بمخيلتي مع حبات الثلج المتساقطة واحدة ...تلو الأخرى... وكأن حباته المثلجة تسقط داخل قلبي لتعطيه الدفء والأمان... تلك الليلة شعرت أنها كانت ليلة مختلفة إختلافاً كبيراً... بدأت أهيم فمي وديان أفكاري، إذ أشعر بأن هناك شيئاً ما يلهني إنه الإلهام فلم أعد أستطيع كبح جماح نفسي، ثم إن الحزن يسيطر عليّ، وقد اكتشفت أن الحزن يساعدني على الكتابة بطريقة أفضل.
لقد كان هناك أيضاً ما يميز تلك الليلة، فحبّات الثلج المتناثرة في الفضاء البعيد، تعكس صورةً رائعة تتخطى حدود الوصف، كنت وقد تسلمت في تلك الليلة مجموعة من الرسائل من دار النشر، فقلت في نفسي سأقرأ تلك الوسائل قبل البدء بكتابة روايتي الشائعة التي تحمل اسم "جوني"... وقرأتها جميعها، وليتني لم أفعل، فقد أحسست بأن أوجاع الدنيا وهمومها جميعاً قد اجتمعت داخل حقيبة الوسائل هذه... ولا سيما رسالة "سلمى" التي أحسست من خلال كلماتها بأن قلبها يبكي بحرقة وألم... لقد أثّرت فيّ رسالة سلمى كثيراً، فأمثال سلمى في هذه الدنيا، اولئك الذين يكتبون وسط نيران اللهب المشتعلة، ومن يعيشون قصص العذاب والألم، يبرعون في الوصف، فهم وفي النهاية يحكون واقعهم، ولو فكرت الآن في البدء بالرواية التي تحمل اسم "جوني"، فأنا واثقة بأني سأكمل في أسطرها كالماء الهدّار، ولكن ماذا بشأن رسالة سلمى تلك التي أبطلت ما كنت أخطط له؟... آهٍ با سلمى آه، كيف لك أن تكتبي لي أنا خاصة مثل هذه الرسالة المؤلمة.
بعض كتابات سلمى: "... إنني أكتب إليك من قريتي التي تطلّ على البحر الأبيض، وأطلب منك أن يبقى اسم المدينة والقرية سرّاً بيننا... لقد تعبت من الإنتظار وأنا أراقب نفيسه خوفاً من أن تقدم على الإنتحار؛ إنها متعبة كثيراً وقلبها يحترق.
أرجوك تعالى من فورك، هذه هي الحقيقة، إني أتوسل إليك، مع أني أعلم بأن ليس هناك من أمل البتة في مجيئك إلينا، إلا أني فتاة أتمتع بالخيال والأحلام، وأحاول العيش على الأمل في نواحي الحياة، "سأحكي لك عن أبي، إنه شخص غريب بعض الشيء، كيف أستطيع إيضاح الفكرة لك؟... لقد اعتاد على أن الجميع من دون إستثناء يتلقى منه الأوامر على الدوام، وأخي قد مشى على درب أبي وأصبح مثله تماماً؛ إذ يضرب زوجه على الدوام، مسكينة زوج أخي، ولكنها في هذه الأيام قد تخلصت من كثير من الضرب، بعد أن ذهب أخي إلى الخدمة العسكرية"، "صديقتي نفيسة تزوجت قبل ستة أشهر بابن جيراننا، لقد أقدمت على الإنتحار مرات عديدة، وكانت دائماً تقول: لن أستطيع العيش، وليس هناك من سبيل لذلك...
ناضلت كثيراً من أجل أن أساعدها وأنقذها، وطلبت من كبار العائلة أيضاً المساعدة، ولكني لم أستطع أن أشرح لهم شيئاً عن الأمر، كانت في بعض الأحيان تقول لي: "حسناً لن أقدم على الإنتحار"، ولكني كنت أرى الكذب من خلال عينيها وطريقة كلامها.
لقد كان قدرها أن تكون بين عائلة سيئة جداً... آه يا سيدتي، آه، لو أنك تأتين إلينا لنشاهدي كيف أن نفيسة تموت ببطء شديد، إنني حقاً لا أفهم ألا تذهب هذه الفتاة غلى منزل والدها؟... ألم تزر أهلها؟... وهل قام أهلها بدفنها عندما زوجوهما بذلك الشاب؟... أو ماذا؟... البارحة قد تجرأت والدة زوجها عليها مع ابنتها لتقوما بضرب المسكينة،... أنني أحس بأن مجيئك إلينا كأنه الخلاص والنجاة لنفيسة....
إن نفيسة مريضة وطريحة الفراش طوال الوقت، وتقول لي دوماً: "لم أر في حياتي فتاة مثلي تعاني كل هذه الآلام والآهات"... إنني أكتب إليك رسالتي هذه وقد فاضت عيناي دمعاً وكأن الحيّ الذي نقطنهُ يُكنّى بحي الآهات والهموم، حال أمي وأبي تحزنني كثيراً، فأحياناً يقدم الإثنان على نقل كل واحد منهما الآخر، بل حريٌّ بي أن أقول لك إن والدي يكاد يقضي على أمي... وأنا أقف مكتوفة الأيدي لا أستطيع فعل شيء...".
رسالة سلمى هي حكاية مجتمع يموج بالظلم والقهر والضحية هي المرأة، تسافر الكاتبة علّها تمدّ يد المساعدة لنساء قرية سلمى، والهدف الأول إنقاذ نفيسة والوقوف دون أقدامها على الإنتحار... تصل الكاتبة، وتحاول إنشاء مركز لحفظ القرآن الكريم كلّها بذلك تمدّ يد المساعدة إلى أولاء النساء والمقهورات وتوعيتهن... إلا أن القدر وقف حائلاً دون إنقاذ نفيسة إلى أولاء النساء المقهورات وتوعيتهن... إلا أن القدر وقف حائلاً دون إنقاذ نفيسة وغادرت القرية وهواجس نتقاذفها وتساؤلات: هل من الواجب علينا أن تبقى وراء الشر والأشرار لنصحح من سلوكهم، وماذا أن كناقد بذلنا مجهوداً كبيراً في ذلك ولم تنجح؟!.
إلا أن الأمل يبقى مشرعاً لديها في بذل المحاولات في ذلك المجال ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً. إقرأ المزيد