تاريخ النشر: 14/02/2019
الناشر: شركة الياسمين للنشر
نبذة نيل وفرات:"النجدة يا أبي!... النجدة!... فلاحَ الأب بيجامته أمام الباب وقد أصابه الذهول في ظلام الليل المرعب... وسار نحو ابنته منوجساً، وسألها: صغيرتي! رابعتي: ما الذي حدث؟... ماذا بك؟... ابنتي، ابنتي رابعة!... "رابعة"... كان مغمى على رابعة، وأبوها الذي عجز عن فهم ما حدث يحاول أن يصحّيها، وحين فتحت عينيها ...سألها: ما الذي جرى يا صغيرتي؟... ما كانت هذه الصرخة؟... هل رأيت كابوساً؟.. رابعة قد نصبت عينيها تحدّق بالسقف عبثاً بلا جدوى: قولي يا ابنتي ماذا حدث!...
وفي هذه الأثناء تماماً تعالت من غرفة النوم أصوات قهقهة: هاها ااه... هاأأأأه... هاهه... والأب وابنته يصغيان بذهول وإستغراب إلى هذه القهقهات المخيفة في عمق الليل، فانحشرت رابعة ملتصقة بوالدها بخوف وقالت له: أبي... أبي... خبئني!... لا تخافي يا ابنتي... اذهبي وقولي لأمك أيضاً ألا تخاف هي أيضاً، هيا يا صغيرتي، سنفهم سرّ القهقهة الآن، فسألته متعجبةً: أبي! أمي هي تطلق هذه القهقهات، ألا تلاحظ ذلك؟.. الأصوات ترِد من غرفة أمي... ماذا؟! أمك كيف ذلك؟ أتراها رأت كابوساً؟ رابعة ترتجف: ولم تستطع أن تقول له سوى: ذلك الصوت هو صوت أمي، والأب وابنته يستمعان إلى قهقهات أحب إنسانة إليها، إلى جان الصغير المرعب للرياح، والأب ينظر يمنة ويسرة بذهول وقد وقع في شباك الحيرة، ويُقرأ الخوف في عينيه، وراح يلهث منقطع الأنفاس، ويسألها: ماذا وهما أمّك؟.. بيد أنه من شدّة خوفه عاجز عن فتح الباب والدخول إلى الغرفة التي فيها زوجه، حاولت رابعة التكلم وهي تبكي بكاءً مريراً: لا أعلم يا أبي... لا أعلم، نظرت وإذا بأمي قد دخلت إلى غرفتي، وهي تنظر إلى نقطة ثابتة... فظنت أنها شاهدت طيفاً، وحين بدأت تضحك فجأة أصابتني الصعقة، ولا أعرف ماذا جرى بعد ذلك، أطلقت صرخة، وأغمي عليّ كما تعلم أنت... اللهّ!... الله!... عجيب!... ما هذا الذي أصابنا وألم بنا؟ والأب الذي أصابه الإرتباك عاجز عن معرفة ما يصنع، وأما رابعة فتجهش بالبكاء، وتقول: أبي... هيا اذهب إلى جوار أمي، كلمها... أفهم ماذا حدث... فأجابها والدها وقد أطرق رأسها: كيف لي أن أذهب؟... وأنا لا أعرف كيف سيكون المشهد الذي سيطالعني حين أفتحَ الباب أصلاً، ولا أملك أن أتحمل رؤية الإنسانية التي أحبها كثيراً في حالة سيئة، فقالت رابعة كأنها لم تصدق: هل أنت خائف يا أبي؟... نحن في غرفة الجلوس هذه منذ ساعة، وقد انقطع صوت أمي، وأنت تعجز عن أن تذهب وتنظر... أيخاف الإنسان من الشخص الذي يحبه؟.. وأبوها لا يجيب... واصلت رابعة طرح أسئلتها: قل لي يا أبي، هل أنت خائف؟ فقال وهو يستنشق نفساً عميقاً بمرارة، أجل... أنا خائف بحق... وهذه الليلة أيضاً رهيبة، ولم أكن صادفت عاصفة كهذه في حياتي... وحافظاً على صمتهما مدة، الأم في الغرفة وهما في غرفة الجلوس.
وأخيراً دخلا إلى الغرفة التي فيها الأم، يا للكارثة، ما هذا! تجمد كلاهما في مكانهما، وأصيبا بالحيرة والذهول، فالأم قد قضت حاجتها فوق السجاد... وهي تضحك، ولم تكترث للقادمين أبداً، فهي لا تسمع، وعاجزة عن الإدراك، فأطلقت رابعة صرخة أخرى وهي تبكي أويـ يـ يـ يـ يـ ي... ولا صوت للأم لاحسّ يصدر من الأم؛ بل لم تكن تسمع أيضاً، فالأم كان في وسعها أن تدرك أمومتها، بالفعل، وحين زال العقل ذهبت الأمومة معه، وأضحت كشجرة يابسة...".
تفاجأك الروائية بأحداث تتوالى تتجاوز توقعاتك وخيالك... وعلى وجه الخصوص مع شخصية الأم التي سيكون تعاطفك مع وضعها ليس صحيحاً... ومهما يكن من أمر تمضي مع رابعة ووالدها فيما استجد عليها من أحداث، متنقلة من مفاجأة إلى أخرى... وتعيش مناخات الحكاية... وسؤال ملحٌ يفرض نفسه عليك: هل تهدف نفس الإنسان على الإنسان؟... إقرأ المزيد