تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال
(0)    
المرتبة: 41,268
تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:لا نعرف رواية عربية لقيت من إقبال النقاد وعنايتهم ومدارستهم وتنوع محاولاتهم-وربما قلنا: ومطارح تهويماتهم-ما لقيته رواية الطيب صالح: "موسم الهجرة إلى الشمال"، إذ استطاع الطيب منذ "دومة ود حامد" أن يختط لنفسه نسقاً لافتاً في الكتابة الروائية، وأن يبلغ في "موسم الهجرة" على الرغم من أنها ذات موضوع ...مألوف قد جرى التمرس به قبله من زوايا مختلفة-قمة الإحكام والتناسب في استخدام ضروب التقنية القصصية الصالحة لروايته، مع بساطة ظاهرية مغرية خادعة.
فإذا جاء الدكتور "محمد شاهين" يتناول هذه الرواية بالدراسة مستأنفاً، فلا بد أن يكون لهذه المحاولة الجديدة أسبابها الخاصة بها. ونحن هنا نضع -على نحو افتراضي-أسباباً ثلاثة، متدرجة طراداً بحسب قوتها. أولاً: أن "محمد شاهين" أدرك أن لقاءه الأول بالرواية كان-بحسب اعترافه-ظالماً لها في التفسير والحكم والتقدير، فهو بهذه الدراسة الجديدة يحاول أن يستدرك ما فانه من إنصاف، وأن يرضي نفسه المحبة للإنصاف أكثر مما يرضي الآخرين.
ثانياً: أن توثق معرفته بالطيب طالح كشف له عن التماهي القائم بين طبيعة الراوي وطبيعة الرواية في العفوية والسجاحة والعمق وعدم الافتعال، فأصبح حين يربط بين الطبيعتين يدرك أن عناصر الجهامة والموت والجنس والصراع الوحشي في "موسم الهجرة" مغلفة بعذوبة في السرد وخفة روح وبديهة حاضرة وذكاء لامح وثقافة عميقة وشعرية متألقة.
ثالثاً: إن "محمد شاهين" -وهو الدارس المطلع والناقد القدير-قد اطلع على أكثر ما كتبه النقاد الآخرون -من عرب و غير عرب-حول "موسم الهجرة" فوجد أن هناك أشياء أخرى كثيرة لا تزال تنتظر من يقولها، ولذلك اختط لنفسه منهجاً في دراسة الرواية لمي حاول أحد قبله على هذا النحو من التوسع والتفصيل، وبخاصة لأنه يدرك أن الرواية من الفنون الأدبية التي تتقبل كل يوم قراءة جديدة وأن قابليتها للتأويل والتحليل تكاد لا تستنفد.
لقد لمح بعض الدارسين قبله شركةٍ في الموضوع بين "موسم الهجرة" و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي أو "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، أو بين "موسم الهجرة" و"المتعاطف الخفي" لكونراد، ولكن ذلك كان عملاً جزئياً لا يرقى إلى هذا العمل التكاملي المترامي الذي وضع أسسه "محمد شاهين": فقد وسع جوانب المنظور إلى أقصى الحدود، وأوقف رواية "موسم الهجرة" إلى جانب هذه الرواية أو تلك في الروايات العالمية، في دراسة مقارنة، يوحي بها التشابه أو بعض التشابه-المستعلن أو الخفي- في الحدث أو الموقف أو الفكرة أو النزوع أو معالم الشخصية، مدركاً أن هذا المنهج قد يوهم أن الطيب صالح قد أفاد من إطلاعه على الآداب العالمية في بناء روايته، ولكنه كان دائماً يبدد هذا الوهم ليثبت أن هذا الروائي لم يكن ينزل في مواقفه الروائية عن مستوى الروائيين العالميين المشهورين.
ومن الظلم لهذه الدراسة أن يقصد التنويه بها على ما فيها من مقارنات، فهي تحتوي إلى جانب التعمق المقصود، وتغليب كل الجوانب لاستثارة أوجه الشبه والاختلاف، نماذج من الأحكام النقدية تعد غاية في الأهمية والفائدة لدارسي الأدب المقارن. لقد أحاط الدارس هذه الدراسة بوعي فذ، ولم يفته أن يقف عند أدق شؤونها، حتى لقد توقف عند أهمية لفظه "موسم" في عنوان الرواية.
مهما يكن من شيء فهذه قطعة من النقد المقارن الممتع الموسع للآفاق، المعمق للبصيرة. ومع ما في هذه الدراسة من كشوف جديدة أو اشراقات فكرية، فإن الدكتور "محمد شاهين" لم يقل الكلمة النهائية في الرواية، بل ستظل "موسم الهجرة" تستثير النقد من زوايا جديد’، وقد كان مخلصاً لمنهجه النقدي حيث قال: "إن موسم الهجرة تعاني أكثر ما تعاني في الحداثة التي طلعت علينا به...". إقرأ المزيد