تاريخ النشر: 01/01/1995
الناشر: دار بيروت للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:في مستهل القرن التاسع عشر المتصل بعصر الانحطاط وتفشي الرطانة في كل قطر عربي قام في لبنان جماعة حرصوا على اللغة العربية وآدابها فراحوا يتلقفونها ويتدارسون ما وقع لهم من كتب مخطوطة أو مطبوعة في أوروبا أو الآستانة يحيون آثار ما اندثر على منوالهم حتى استقامت لهم اللغة ودانت ...لهم البلاغة، فشرعوا ينظمون وينثرون، فأرجعوا إلى الضاد روعتها وبيانها بأسلوب لا يخلوا من السجع الممل أحياناً، إلا أنه يترفع عن الرطانة وضعف التركيب، وطريقته هذه المسجعة قد حرصت على مفردات اللغة وسلامة الذوق وسلوك النهج القويم، إلى الترسل في الكتابة، فقلدوا ابن المقفع وسهل ابن هارون... والشيخ ناصيف بن ناصيف اليازجي الحورانيّ الأصل والحمصيّ المنزح واللبناني الموطن والمولد، كان واحد من هؤلاء. وُلد في كفرشيما (لبنان)، كان أبوه طبيباً على مذهب ابن سينا يميل إلى العلم وتذوق الأدب، فبث في فؤاد ولده حبّهما وحمله على الدرس، ولما اتقن القراءة وأصبح يستوعب ما يقرأ، انقطع إلى الدرس والمطالعة على نفسه برغم قلة الكتب المطبوعة وندرة المخطوط منها يتلقف زبدتها وساعده على ذلك حافظة حادة وذكاء مرهف فاكتهل علامة زمانه، جمع من العلوم العربية ما قصّر عنه غير واحد حتى غدا مرجعاً في علوم اللغة حقيقتها ومجازها، بالإضافة إلى تاريخ العرب وأخبار أيامهم. وترامت شهرته إلى الأمير بشير الشهابي الكبير فقربه إليه، ولبث في خدمته نحو اثني عشرة سنة إلى سنة 1840 وهي السنة التي خرج فيها الأمير من لبنان منفيا. فهبط إلى بيروت؛ وسكن فيها؛ وأصبح منزلة منذ ذلك الحين مقصداً للعلماء ومرجع الفتاوى الأدبية وعكاظ المحاضرات العلمية والمطارحات اللغوية.
وفي جملة آثاره التي خلفها، كتاب "مجمع البحرين" وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وفيه جمع ستون مقامة نهج فيها منهج الحريري، فجاءت برهاناً على سعة علمه وعلوِّ كعبه في اللغة نظماً ونثراً، وجاءت أيضاً منهلاً عذباً للأدباء الذين يرغبون في الاطلاع على الأساليب الصحيحة، وأفانين التراكيب والألفاظ الوضعية، والأساليب البيانية مما لا يجدونها بمجموعة في كتاب واحد كما في "مجمع البحرين".
ولا ريب أن الناظر في الكتاب هذا يرى الرموز والأحاجي والحوادث التاريخية والتفاصيل الدقيقة من عادات العرب ومفاخرهم وغزوهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم ومعاملتهم للطارق ليلاً وللزائر نهاراً. أما منهجيته في عرض المقامات فتقوم على جعله الشيخ "سهل بن عباد" راوي مقاماته، أم بطل المقامات فهو ميمون بن خزام، هذا ولا تخلو مقامة من مقاماته من أمثال ضمّنها المقامة، ومن شروح مشبعة لها.
وبالتالي نجد أنه (أي المصنف) لم يترك في كتابه زيادة لمستزيد، كما في المقامة النجدية التي أورد فيها غريب اللغة وقديمها، وفي المقامة الحجازية وفيها عرض إلى الحياة الاجتماعية في البلاد العربية، وفي هذه المقامة يتلمس القارئ ميل الشيخ الديني في المقامة العقيقية وإعراضه عن حطام الدنيا، وكانت هذه المقامة داعية إلى كتابة التسع والخمسين مقامة وذلك لما رأى الشيخ من إعجاب الأدباء بها يوم تلاها في الجمعية الأدبية السورية. إقرأ المزيد