إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
(0)    
المرتبة: 139,340
تاريخ النشر: 01/08/2015
الناشر: مؤسسة الرسالة العالمية
نبذة نيل وفرات:يرى المسلمون في الطلاق رخصة من الرخص التي يصار إليها عند الاضطرار، كما أرشدهم إلى ذلك دينهم، وهكذا يكون شأن الأمة الوسط: لا تفريط ولا إفراط؛ لأن تحريم الطلاق تحريماً قطعياً من الحرج الذي لا يطاق ولا تستقيم معه حال المجتمع، وإباحته إباحة عامة من دون شرط ولا قيد ...من العبث المخلّ المفسد لنظام الأسر والبيوت. وقد يظن ظان أن الطلاق يقع بالكلمة تقذفها بادرة غضب، فتصبح عقدة النكاح المحكمة مفككة محلولة وتمسي الزوجة التي لم تجني ذنباً أجنبية غير حليلة، وهذا مما لا يلتئم مع الحكمة، أو يتفق مع المصلحة. إلا أن هذا مخالف لما تقتضيه الأحكام الشرعية ومصالح المسلمين، ولو اطّلع هذا الظان على أقوال الفقهاء وقبلاً على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لعلم علم اليقين بأن الإسلام هو الدين الحنيف الذي ارتضاه رب العالمين لعبادة بما يتوافق ومصالحهم الدنيوية والآخروية.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، هذا وإن طلاق الغضبان لم يعرّفه أحد بشكل دقيق قبل الإمام ابن القيم، بمثل ما جاء في كتابه هذا، استهل الإمام المؤلّف كتابه بالحديث الشريف: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". ثم بيّن معنى الإغلاق أو الغلاق من كلام الأئمة، وأن معناه الغضب، أو من معانيه، ثم طفق المؤلف يدلي بالحجة تلو الحجة.. ويأتي بالدليل بعد الدليل من الكتاب والسنة، والمأثور عن أئمة السلف الناطقة كلها بعدم وقوع طلاق الغضبان، مستضيفاً في ذلك أيّما إفاضة شأنه في ذلك ِشأنه في كل الموضوعات التي كتب فيها، ونصب ميزان التعارض والترجيج، فأظهر في ذلك الغث من السمين في القول الصحيح في هذا الموضوع. وعلى ذلك منع الإمام ابن اقم من خلال ذلك تفريق البيوت عن الخراب، وحفظ على العائلة الكثير مما هو شائع عند البعض من إيقاع هذا الطلاق، وغيره من كلام الهازل، والمُقْسِم على أمورما أراد بها الطلاق أصلا.
هذا ويعود الفضل التام، في نشر هذا الكتاب لعلاّمة الشام، محمد جمال الدين القاسمي، وذلك في عام 1327هـ اعتماداَ على مخطوطته التي كان قد أتى على وصفها في مقدمة الكتاب. وكان الشيخ القاسمي كثير المفادة والعناية بهذا الكتاب حيث يقول في رسالة بعث بها إلى صديقه وصفيّه في العراق الشيخ محمود شكوي الألوسي ما نصّه: ".. وكتاب إغاثة اللهفات، في حكم طلاق الغضبان؛ لإبن القيم، وهو كتاب نفيس، يفيد الأمة فائدة عظيمة في المسألة المذكورة.." وقد بادر الشيخ القاسمي إلى طبعها اعتماداً على نسخة كانت بجوزته، حيث قام بمراجعتها والتعليق عليها بحواشي، وتوزيع النص على أصل المخطوطة. وقد تم طبعها في مطبعة المنار سنة 1724هـ وتوالى على طبعها فيما بعد العديد من دور النشر.
هذا وقد سبق للمكتب الإسلامي للطباعة والنشر في دمشق وبيروت طباعتها ونشرها بتحقيق المهندس محمد عفيفي المصري، وهو الآن يصدرها في طبعتها الجديدة المحققة، من قبل الشيخ محمد بن سليمان الحفيان الحموي الأصل، وفيها التعقيبات النافعة للضروري من الكلام، مع حسن تخريج الأحاديث. ولمزيد من التوضيح كان الإمام ابن القيم تناول في رسالته هذه حكم الطلاق حال الغضب، وهي مسألة دقيقة حساسة تقوم في بحثها على مصالح العباد في الحال والمال، بعيداً عن التقليد الفقهي والتعصب المذهبي. فبسط المؤلف أقوال أهل العلم ومذاهب علماء الأمصار، مناقشاً ومفنداً، مدللاً على المسألة في الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، متوسعاً في أوجه الاستدلال في الاعتبار وأصول الشريعة حتى أوصلها حتى أوصلها إلى خمسة وعشرين وجهاً، بعد أن بذل فيها وسعه حتى أتى فيها على أوجه المسألة، وما يتعلق بها.
كما بحث في عضون ذلك حقيقة الغضب، وكنهه، وبواعثه، وأنواعه، وبيّن أنه مرض من الأمراض التي تعتري القلوب. وأوضح أوجه الشبه والاختلاف بين الغضبان والسكران، والفكرة والهزال، والمتوسوس، ومن سبق لسانه بالطلاق وهو لا يقصد. ويبيّن أن عدم وقوع طلاق الغضبان جارٍ على أصول عامة الفقهاء، وأنه يلزمهم القول بموجبه، ولهذا المسألة نظائر كثيرة عندهم، أعملوا فيها قصد المتكلم ونيته. ونكتة المسألة التي وفّق لها المؤلّف وشيخه من قبله، وغابت عن كثير من الفقهاء: أن الغضب ليس نوعاً واحداً؛ بل هو أنواع وأقسام ثلاثة، كما بيّنه المؤلف أحسن بيان وأوضحه. إقرأ المزيد