السفسطائية بين الوجودة والبراغماتية
(0)    
المرتبة: 19,317
تاريخ النشر: 22/01/2008
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:نشأ المنطق في حضن الفلسفة، وكان طابع الفلسفة انطولوجياً، أي إن الفلسفة كانت تنتسب إلى نظام الموجودات، لا إلى نظام الأفكار. وكان لآراء أفلاطون المنطقية خاصية انطولوجية، تجسدت في أن مثالية أفلاطون الموضوعية ترى أن الواقعية الحقيقية هي في الفكر. فالوجود الحقيقي عنده هو وجود الأفكار والصور الذهنية والمعاني ...الكلية.
وعلى خلاف مثالية أفلاطون الموضوعية، رفضت لا أدرية كنط المفهوم الأنطولوجي للمنطق، وأسست ما يسمى بمنطق الظواهر أو المنطق الترانسندنتالي. وقد استهدف هذا المنطق البرهان على استحالة معرفة كنه الشيء، أو ما يعرف بالشيء في ذاته. فالإنسان لا يعرف إلا الظاهر من الشيء، أما الشيء في ذاته، فلا يمكن معرفته.
وقد أسس كنط، بالإضافة إلى منطقه هذا، منطقأً صورياً موضوعه الفكر الإنساني وما فيه من أشكال وقوانين بصرف النظر عن القيمة المعرفية.
وكان ظهور المنطق أول ما ظهر داخل إطار الخطابة، كونه يمثل نظرية البلاغة. وأرسطو درس المشكلات المنطقية في علاقتها بالخطابة. وبقي المنطق في إطار فن الخطابة وجهاً تابعاً، غايته الأولى إقناع السامع وغايته الثانية الوصول إلى الحقيقة. فالوصول إلى الحقيقة كانت غاية عرضية من غايات المنطق.
وبتطور الفلسفة والعلم ونشوء المدارس الفلسفية والعلمية، أخذ المنطق يؤثر تأثيراً بالغاً في المناقشات العلمية. وقد تجذرت أسس المنطق كونه علماً للفكر غايته الأولى الوصول إلى الحقيقة، عبر مواجهته للسفسطة وألاعيبها اللفظية ومغالطاتها المعنوية، وكان أن برز المنطق علماً له طول باع في تطوير الفلسفة والعلم، يقدم أساس قضاياهما ويهفت كل النظريات الخاطئة. وقد انتهى الأمر لاعتبار المنطق ميزان العقل ومعيار العلم والفيصل الوحيد للحقائق العلمية.
وكان السفسطائيون قد استهلوا مرحلة جديدة من مراحل تطور الفلسفة ونهوضها في اليونان. وجعل السفسطائيون الإنسان موضوعاً رئيسياً لأبحاثهم الفلسفية. فهم ركزوا على مشاكل السياسة ونظرية الدولة والثانون ومسائل الأخلاق واضعين تلك المواضيع في طليعة اهتماماتهم وأبحاثهم.
وشرع السفسطائيون في إرساء نظرية الخطابة وقواعد النحو. وكان بورتاغوراس وغورغياس، على سبيل المثال لا الحصر، من طلائع المهتمين بالبلاغة والنحو. وكانم قصد السفسطائيين، بشكل عام، غلبة النزعة الفردية على الحياة الاجتماعية. وانطلق السفسطائيون من نقدهم للتقاليد السائدة في مجتمعهم، وعمدوا إلى قلب السلطات القائمة، وشككوا في مسائل الدين وقضايا الفلسفة.
لقد أنكر السفسطائيون إمكان معرفة العالم وتبنوا النسبية في المعرفة، واتخذوا من النزعة النسبية أساساً للأخلاق والمعرفة، واستنتجوا أنه لا وجود لأي رأي خاطئ، وأن كل موضوع قد يكون له مفاهيم متناقضة أو متضادة في الواقع وكلها صحيحة، وانتهوا إلى إنكار الحقيقة الموضعية. فكل تصور فردي هو في حد ذاته تصور صحيح، ولا يمكن استنتاجه من تصور آخر. فلا صلة بين التصورات، إنها منفصلة بشكل مطلق.
سيحاول هذا الكتاب أن يكشف عنه، في محالو لتقديم صورة علها تكون كافية ووافية للوقوف على حقيقة هذه النزعة الفلسفية التي ظهرت منذ ما يزيد على الألفي وخمسمائة عام ولا يزال أثرها حتى اليوم.
هذا وقد قسم الكتاب قسمين، خصص القسم الأول منهما للكلام على السفسطائية وأبعادها الفكرية، وضم خمسة فصول تحدث أولها عن المنطق بشكل عام، تعريفاً وموضوعات وغاية ومنهجاً وأهمية، وأتى الفصل الثاني على نشأة السفسطائية مشيراً إلى الغلط والمغالطة، وتكلم الفصل الثالث من هذا القسم على تعاليم السفسطائية فركز على مواضيع التشكيك في المعرفة والنزعة الفردية كمعيار وحيد للحقيقة، والخطابة وأثرها في الفكر والمجتمع، ونشأة الجماعات الإنسانية، وطبيعة الإنسان، ونشأة اللغة، أما الفصل الرابع فضم موقف الفلاسفة اليونانيين من السفسطائية فتكلمنا على آراء كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو بالسفسطائية، وأفرد الفصل الخامس لعرض آراء المفكرين الإسلاميين بالسفسطائية، فأبرز آراء بعضهم، لا سيما رأي ابن حزم الظاهري الأندلسي، وذكر تقسيم المسلمين للسفسطائيين إلى العندية والعنادية واللاأدرية، كما توسع بعض الشيء في الشك مركزين ما أمكن على الشك المنهجي كونه المدخل الأساسي لكل الدراسات والعلوم.
أما القسم الثاني من الكتاب، فأفرد للكلام على أثر النزعة السفسطائية وضم ثلاثة فصول، تكلم الأول منها على أثر السفسطائية في الفكر اليوناني، وخصص الفصل الثاني منه للحديث عن أثر السفسطائية في الفكر الإسلامي، أما الفصل الثالث من هذا القسم فقد جعل للكلام على أثر السفسطائية في الفكر الحديث ومعاصر فركزنا على الصلة الوثيقة بين السفسطائية من جهة وبين كل من الفلسفة الوجودية والبراغماتية من جهة أخرى وأشار إلى بعض الأمثلة الحية من مثل ما جرى في أفغانستان وما يجري في العراق ولبنان فلسطين وغيرها... إقرأ المزيد