تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:طيّ هذا الكتاب سلسلة من المقالات الفلسفية والكلامية التي كتبت في العديد من المناسبات وخلال فترات مختلفة استغرقت بمجموعها نحو ربع قرن. ولا ريب في عدم تميز هذه السلسلة من المقالات بالانسجام الكامل نظراً لكتابتها في مناسبات مختلفة وظروف زمانية ومكانية متباينة، غير أن ما يمكن أن يؤلف بينها ...ويخلق نوعاً من القدر المشترك هو ذلك النوع من الفكر الفلسفي الذي يمكن أن يجده القارئ فيها جميعاً. وهذا لا يعني عدم وجود أي تماثل يذكر بين محتوى مقال "مناجاة الفيلسوف"، على سبيل المثال، ودراسة "أصالة الوجود" أو "أصالة الماهية" منذ أيام السيد الداماد وإلى يومنا هذا. ولا ريب في أن مبدأ أصالة الوجود أو أصالة الماهية، جزء لا يتجزأ من الدراسات الفلسفية. ومن الواضح أن المرء حينما يبدي رغبة في هذا النوع من القضايا الفلسفية، فلن يرغب عن معرفة طبيعة مناجاة الفيلسوف. فهناك الكثيرون ممن لا يرون وجود أية صلة بين الفلسفة والمناجاة، ويتصورون أن الفيلسوف لا يمد يده بالدعاء والتضرع أبداً، لأن طبيعة تفكيره عقلانية بحتة. وهنا لا بد من معرفة أن العقل باتجاهه نحو الحق والحقيقة، انطلاقاً من جوهره وطبيعته، يدرك عظمة الحقيقة ويطأطئ رأسه لها. وتعظيم الحقيقة والتواضع لها، يعدّ نوعاً من الدعاء والتضرع، وهو أمر يتميز به العقل دائماً. والأبعد من ذلك فإنه ومن خلال التأملات الفلسفية، يمكن الوقوف على عظمة الوجود. ولا ريب في أن الإنسان كلما أدرك عظمة الوجود، شعر بعجزه وتفاهته إزاء تلك العظمة.
وهنا تبرز الصلة بين الفيلسوف والدعاء والمناجاة، ففي هذا النوع من الإدراك يجابه الفيلسوف نوعاً من الحيرة والاضطراب فينبري للدعاء والمناجاة انطلاقاً من عنائه وألمه. فالعناء والاضطراب والقلق أمور تؤلف أساس الدعاء والمناجاة؛ وليس هناك عناءً واضطراباً بحجم العناء والاضطراب الناجمين عن سرّ الوجود. وعلى ضوء ذلك يمكن القول بأن أهل الفكر والتأمل على معرفة أكبر بالمناجاة والتضرع من سائر الناس. وهذا يعني أن الفيلسوف المتأمل، من أجل المناجاة، لذا لا غرابة في قرن المناجاة بالفيلسوف، فأغلب الحكماء المسلمين قد بدأوا آثارهم الفلسفية بحمد الله وثنائه وأشاروا إلى سلسلة من الحقائق بعبارات رائعة حلوة. والفيلسوف الكبير المؤسس، أي الفارابي، وفضلاً عن مداخل آثاره التي حمد الله فيها وأثنى عليه، له رسالة انبرى فيها للمناجاة والابتهال بأسلوب خاص، مستخدماً الاصطلاحات الفلسفية، ومشيراً إلى الكثير من الحقائق.
وقد قام د. غلام حسين ديناني بتحليل تلك المناجاة ودراستها في مقال خاص. ومقال "مناجاة الفيلسوف"، هو أحد المقالات التي طبعت ضمن هذا الكتاب، وقد كان للباحث هدف من وراء انتخاب هذا الاسم كعنوان لهذا الكتاب، والهدف هو التأكيد على أن الفيلسوف يسعى دائماً وأبداً من أجل نيل الحقيقة وإدراكها، ولا يخطو في طريق إدراك هذه الحقبة إلا بقدم التواضع والحاجة والتضرع أمام عظمة الوجود وجلال الحق تبارك وتعالى. إقرأ المزيد