تاريخ النشر: 25/03/2022
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:يضم الكتاب مجموعة من القراءات التي جاءت بها قريحة الكاتب من خلال تجواله في أروقة التاريخ، جاءت إحداها من وحي التاريخ الإسلامي تحت عنوان: احلب الدر حتى ينقطع... واحلب الدم حتى ينصرم: "وكان سليمان [بن عبد الملك الخليفة الأموي الخامس] قد تولى رجلاً من موالي معاوية يقال له أسامة ...بن زيد [التنوخي[ من أهل دمشق وكان كاتباً نبيلاً خراج مصر فبلغه أن عمر بن عبد العزيز [الرجل التقي الزاهد وابن عم الخليفة سليمان وصهره وزوج أخته فاطمة وصديق سليمان ومستشاره والذي أوصى له بالخلافة فكان الخليفة الأموي الثامن وخامس الخلفاء الراشدين لتأسيسه بهم وإتباعهم سنتهم]، يعرض به ويغمص عليه في سيرته فقد أسامة بن زيد على الخليفة سليمان بمال واجتمع عنده ووافقه على ما احتاج إليه وعمل على الرجوع إلى عمله، وتوخى وقتاً يكون فيه عمر بن عبد العزيز عند سليمان في مجلسه فلما بلغه حضوره جلسه [مجلس الخليفة] استأذن عليه فلما وصل إليه قال له: يا أمير المؤمنين إني ما جئتك حتى نهكت الرعية وجهدت فإن رأيت أن ترفق عليها وتخفض من خراجها ما تقوى على عمارة بلادها وصلاح معاشها فافعل خانة يستدرك ذلك في العام المقبل...
فقال سليمان: - هبلتك أمك احلب الدر فإذا انقطع فاحلب الدم النجأ... فخرج أسامة بن زيد فوقف لعمر بن عبد العزيز حتى خرج فركب... فسار معه وقال له: إنه بلغني يا أبا حفص أنك تلومني وتذمني وقد سمعت اليوم ما كان عند تعالي لابن عمك وما وردّ عليّ وعرفت عندي، فقال عمر: سمعت والله كلام رجل لا يغني عنك شيئاً، فلما توفه سليمان كتب عمر وهو على قبره [قبل أن يدفن] بعزل أسامة بن زيد وبعزل يزيد بن أبي مسلم... فاغتابه الناس [يقصد بالناس هنا رجال البلوط ومن لف لفّهم من رجال الطبقة الحاكمة] وقالوا: ألا صبر حتى يدفن الرجل؟ فقال لما بلغه ذلك: "إني والله خفت الله عزّ وجلّ وأستحيه، أن أقرهما يحكمان في أمور الناس طرفة عين وقد وُلِّيت أمورهم"...
وهكذا يعرض الكاتب للمصدر الذي استقى منه هذه الواقعة: [عن كتاب أبي الوليد محمد بن عبدوس الجهشياري مخطوط مطبوع في مدينة فيينا عام ١٩٢٦]، ولم يقف عند ذلك، بل إن الكاتب استقاها "أي تلك العبارة" من مصدر آخر قائلاً: "وقد وردت عبارة الخليفة سليمان عن المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة الجزء الأول الصفحة ٢٣١ كما يلي: "قال الكندي (المؤرخ): كتب سليمان بن عبد الملك إلى أسامة: احلب الدر حتى ينقطع واحلب الدم حتى ينصرم... قال: فتلك أول شدّه دخلت على أهل مصر"... أي بداية الظلم الذي مهد لسقوط الدولة الأموية وما بعدها من دول].
ومن ثم يتوقف الكاتب معلقاً: هذا النص كيفما روي يدخل في باب سياسة الرعية ودوام الملك والسلطة التي هي تاج على رؤوس من يملكها فرداً كان أو جماعةً... سلالة حاكمةً أو حزباً حاكماً وفيه مجال كبير للتحليل التاريخي أو الفلسفي أو الديني أو السياسي؛ أي فيه مجالات متنوعة للقول حسب الزاوية التي يراه فيها قارئه وحسب العقلية الإيديولوجية التي يؤمن بها والطريقة التي يفكر بها، وهو بالنسبة له، أي للكاتب، يراها من زاوية النظام السياسي الإسلامي وروحه من خلال التطبيق الفعلي على أرض الواقع...
حيث يتابع قائلاً: "سياسة عمر بن العزيز كانت تمثل روح الدعوة الإسلامية... روح الرسالة السماوية الداعية إلى سعادة الناس في الدنيا ومن ثم في الآخرة والداعية إلى العدل ومحاربة الظلم والرحمة بالناس: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وهي لكل دعوة سماوية تهدف من حيث الأساس والجوهر إلى ضمان سعادة الناس على الأرض ومن المعروف في التاريخ الإسلامي إن هذه الروح هي التي أدت إلى سهولة تحرير الأراضي العربية المحتلة من قبل الحكام الغرباء في بلاد الشام والعراق ومصر وشمالي أفريقية من فرس وبيزنطين وفاندال وفيزيفوط، وامتدت فيما بعد لتحرير أراضي شعوب مختلفة غير عربية من تحكم طبقات ظالمة لشعوب قبلت الإسلام أو حكم المسلمين لأنها كانت في بدايتها أعدل في كل حكومة سبقتها، وهذا واقع تاريخي لا جدال فيه مهما شابته أحياناً من الشوائب.
ذلك أن الحكومات التي كانت تحكم الإمبراطورتين البيزنطية والفارسية كانت حكومات فاسدة في مجتمع طبقي / عبودي استشرى فيه الظلم وأنهكت شعوبه واضطهدت تحت مسميات مختلفة، اضطهاد اثني واضطهاد ديني واضطهاد مذهبي واضطهاد طبقي مما جعل رعايا هاتين الإمبراطورتين معادين لحكامهم ينتظرون الفرج من السماء ومن الأرض، فكان أن جاء الفتح العربي فتحاً أرضياً عده المظلومون في هاتين الإمبراطورتين فتحاً سماوياً.
غير أن أعدل حكومة لا بد أن يشوب القائمين على الحكم بإسمها بعض الخلل وأن يركب موجتها كثير من النفعيين والأنانيين والمستغلين فيحاولون أن يفرغوها من محتواها مما يدفع الحاكم الصالح أن يقف بالمرصاد لهؤلاء العابثين حماية للدعوة نفسها وللحكم الذي يمثلها.
وهكذا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما حاول بعض المستغلين وبعض بقايا المؤلفة قلوبهم أن يتحولوا إلى مالكين لثروات الأمة وتابعه حفيده وسبطه عمر بن العزيز الأموي [...].
وأخيراً يصل الكاتب إلى مبتغاه في الهدف الذي من أجله ساق هذه القراءة التاريخية من خلال اسقاطاته على الواقع العربي الإسلامي المعاصر، حيث يقول: "ولكن هل استمر هذا الحكم العادل بعد أبي بكر وعمر وعلي وعمر بن العزيز؟!! أم أدى إلى إنهيار الحكم العربي الإسلامي حينما تحول الحكام إلى طغاة فأدى عملهم إلى صراع داخلي كانت من نتيجته انهيار الدولة العربية؟!!.
يدون عدالة اجتماعية تنفض الجماهير من حول حكامها ويسهل إسقاطها من خارجها أو من داخلها، مختتماً قراءته بتمنيات: "نرجو من القائمين على شؤون الناس والذين يتأمل الناس منهم خيراً ألا يجلبوا الدر حتى ينقطع والدم حتى ينصرم وأن يبعدوا عن التحكم بمصير الناس أمثال أسامة بن زيد وأضرابه ليبقى الناس (در) و(دم) يمكنهم من الدفاع عن وجود الأمة كلها في هذه الأوقات العصيبة [...].
قراءة جديرة بتأمل استدراجاتها لدى الكاتب... وهي كما كسب في القراءات، التي تنوعت مواضيعها، تأخذ حيزها التحليلي الموضوع الذي يذهب الكاتب من خلاله إلى جوهر الموضوع... ليغنيه بإسقاطات تحكي مهما بعدت المسافات والأزمان والآراء... واقعاً معاصراً معاشاً على جميع الأصعدة: السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية... إقرأ المزيد