تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:من خلال هذا الكتاب يمكن للقارئ أن يستشف بعضاً من خصائص أعمال هسة من جهة سيرته الذاتية، فمع أن هسة لم يكتب قط رواية شاملة واحدة عن حياته، فإن جميع أعماله، ومن نواح عدة تعتبر، وكما يقول جوته في عبارته المعروفة، "أجزاء من الاعتراف العظيم". وسواء أكانت أمكنة هذه ...الروايات الهند القديمة في (سوهارتا) أو أوروبا القرون الوسطى في (نارسيوس وجولدموند) أو كاستاليا الوهمية في (لعبة الكريات الزجاجية)، فان شخصيات روايته كانت دائما تتحول لتكون استحالات لهسه ذاته، متكيفة مع ظروف الحكاية. يصرح هسه في صورته الوصفية "طفولة الساحر" التي تتناول سيرته الذاتية، بأن أكثر أمانيه حماسة، وهو صغير، كان أن يملك القدرة السحرية على الخفاء أو على تغيير شكله، ويواصل، وما كافأ هذه القوة السحرية عند النضج، وهي موهبته في إخفاء نفسه بعبث خلف شخوص عالمه الروائي. وهذا التخفي الفني قد تمثل في حقيقة أن الكثير جدا من بدائله الروائية من هرمان هايلز في " تحت العجلة" (1906) إلى هاري هالد في "ذئب البراري" (1927) وهـ. هـ، رواية " رحلة إلى الشرق" (1932) قد شارك المؤلف فيها بأحرف اسمه الأولى. ففي رواياته لا يحاول هسه كثيراً أن يتعامل بموضوعية مع العالم الواقعي بقدر ما يوظف المغامرات لاكتشاف الذات أو، فيما يتعلق برواية "لعبة الكريات الزجاجية" فهو يخلق سيراً خيالية يظهر من خلالها "إبداع" الكاتب في تنوع من الأردية العابرة. ولا تتوضح النزعة نحو السيرة الذاتية في أبطال روايات الكاتب فقط. فسواء كانت أحداث هذه الروايات تدور في الماضي نحو السيرة الذاتية أو الحاضر، أو في المستقبل، فغالباً ما كانت الخلفية والشخصيات الثانوية فيها مستمدة على نحو مباشر مع تجربة هسه الخاصة، ففي مثل هذه الأعمال المتباينة من تجربة رواية التلميذ (تحت العجلة)، وحكاية القرون الوسطى (نارسيوس وجولدموند)، والحكاية المستقبلية (لعبة الكريات الزجاجية)، تستند الواقعة إلى تفاصيل كبيرة من الدير البندكتي السابق الواقع في مارلبورن، حيث قضى هسه أحد أعوام مدرسته هناك. وفي العديد من قصصه ورواياته وصف هسه مدينة "كالف"، وصفاً دقيقاً حتى أن القارئ الذكي يمكن أن يرسم خارطة لها، وكذلك كان يظهر أصدقاءه بانتظام في حكاياه وبهيئات مختلفة، "بستو ديوس" عازف الأرغن المهتم بالآثار القديمة في (دميان) الذي شكله هسه على غرار نموذج محلله النفسي "جوزف ب لانج"، و"كارلو فيرونته" في "لعبة الكريات الزجاجية) مدين باسمه إضافة إلى موهبته الموسيقية لابن أخ هسه (كارل ايزنبرغ)، (وكلا اللقبين يعني "الحبل الحديدي") وعبر خدعة اسمية مماثلة يقدم هسه زوجته "نينون" في (رحلة إلى الشرق) حيث تدعى (نينون الغريبة) (وقد استخدم اسمها قبل أن تتزوج، أو سلاندر، الذي يعني في اللغة الألمانية "الغريب"). ومع أن روايات هسه قد ظهرت وتشكلت من واقع حياته الذاتية، إلا أنها أخذت، في الوقت نفسه، تنمو منحى آخر: فغالباً ما كانت كتاباته الذاتية تميل إلى الاتحاد مع الخيال. إنه في مرحلة متأخرة من حياته يودع السجن بتهمة إغواء طفلة صغيرة عن طريق السحر. وخلال فترة سجنه الطويل أخذ يسلي نفسه بالرسم على جدار زنزانته فرسم منظراً جبلياً متقناً يُظهر فيه قطارً وهو يدخل في نفق. وتنتهي "السيرة الحدسية" حيث ينهك هسه من الاستجواب ومن السجن الممل، يركب القطار المرسوم ويختفي معه في نفق خياله الإبداعي، تاركاً وراءه الواقع الشبيه بالسجن، مع حرسه المذعورين. ويمكن تفسير هذا الأمر ببساطة على النحو التالي: فسواء كان هسه يكتب "رواية أم" سيرة ذاتية" فهو ينتهي تقريباً دائما إلى ما يدعوه "بمملكة الروح السرمدية"، التي تقيم خارج الزمان والمكان، وتتجاوز الرسم فوق جدار السجن. ولو أخذنا عنوان أحد أعماله الأولى، "ساعة بعد منصف الليل"، نجد أن الاختلاف الرئيسي في عقل هسه وعمله لا يقع بين الحياة والفن أو بين الحقيقة والخيال، بل بالأحرى بين واقع الروح المليء بالمعاني والعالم اليومي والزائل الذي أطلق عليه "الواقع" (مع علامتي الاقتباس لينتقص منه) أو "الواقع المزعوم". إقرأ المزيد