تاريخ النشر: 01/01/2018
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"ضاعت يدي الصغيرة في يد جدتي غاتون متلفعة تنظر فيما سأصير إليه، مفتوناً يسفر الطريق له أوّل مرة، ينظر إلى خلفه أكثر، لا يريد أن يغيب عنه شيء.
أسبق خطوات جدتي، أنظر فيما يبدو من وجهها وابتسم... رأيتك رأيتك! قلب جدتي أكثر سعة من خطواتها، تتمتم فأسمع همهمتها: دعاء، إرشادات، ...حوار... حوار مع من؟ النساء يجلبن صور المتحاورات الغائبات ويصنفن الحوار، توقفت جدتي عند باب معلمة القرآن الكريم، عفيفة بنت الحاج حسن الحلواجي بقرية جد حفص، تقبلتني ابنة الحلواجي بلطف مستبشرة وقلبتني، أدخلتني بيتها المتواضع جداً، أجلستني جوارها، بدأت تعلمني الحروف والحركات والكلمات، لم أرَ معلمة تبتسم عند كلّ حرف، وتقبل على درسها بهذا الحب مثلها، كأنها تقبل على تعليم ابن نبي كنت أحضر في اليوم مرتين: صبحاً وعصراً حتى حفظت تسعة أجزاء من القرآن الكريم.
بين غفلة المعلمة وإنشغالاتها، بيوميات بيتها، فسحةٌ للكلام بين الفتية والفتيات، ليس في الإختلاط حرج هنا، تماماً كما خلق الله الإنسان عليه، دهشتنا مصدر تلاقينا، نظراتنا، وأحاديثنا، نكتشف الأشياء لأول مرة فتبقى عالقة في أذهاننا، نتبادل الدهشة، ونرد على الدهشة بدهشة أخرى لا تقلّ عنها، نتداهش نتصارع أحياناً، وقد يتوعّد صبيٌّ فتاة بالضرب خارج بيت المعلمة، يعرف الصبية ذلك فيشحذون عيونهم، يتعاضدون يتناصرون، لا أحد يبقى في معركة وحده، معركة صغيرة ستبدأ بعد قليل، وكلّ الذي يحدث فائض الوعي بالجسد الصغير... وجدت أبي على الرغم من أني لم أنته من ختم القرآن الكريم... يسجلني في أول فوج في مدرسة المباركة العلوية التي أسسها مجموعة من تجار وعلماء بلاد القديم، لكن ذلك لم يستمر طويلاً، فبعد إنتهاء إضراب التلاميذ، الذي استمر ستين يوماً إحتجاجاً على أبعاد الحكومة للأستاذين: الحوراني والحموي، عاد بعض التلاميذ للدراسة، لكنّي لم أعد.
توفي أبي ظلال فترة الإضراب، فعادت زوجته الثالثة، خالتي بهية إلى العراق، وعادت بي مربيتي ومرضعتي إلى بلاد القديم، لأظلّ في رعاية جدتي، انقطعت عن المدرسة العلوية وعن المعلمة عفيفة فظننت أنه اللقاء الأخير بتلاوة القرآن الكريم، تجدد عهدي - في بلاد القديم - بعين قصارى، بعصافيرها، بغابة أشجار السدر، بصفاء الماء في الصباح الباكر، وبصوت تدفقه في الجداول، اذكر هذا الصوت حتى الآن، وأسمعه كلما هاجت الذكرى.
هنا، فسحة الطفل التي لا حدّ لها، لا أحد يوقظني في الصباح الباكر، فالعصافير في أشجار السدر تقوم بهذه المهمة، وكأنها رسل عين قصارى، أستيقظ سريعاً، أخرج، أنسى أن أنس وجهي، وما أن أصل الماء حتى تسرع السلاحف الصغيرة للنزول في الماء من كلّ جهة، غرفت من مائها البارد أغسل وجهي، بينما تهمّ، عصفورة تعلم فرخها الطيران قبل أن يستقيظ الأطفال، الصورة رببة الماء، تنهال صور أمي عليّ، صورة أمي فرحتي، لماذا كلما بالغ الشخص في الغياب تعددت صوره...".
يتضمن الكتاب سيرة ذاتية حسين المحروس الذي ولد بالدار التي ظهرها جهة الحسينية، وذلك كما أخبرته مربيته فاطمة بنت الحاج حسن بن شعبان، وقد كان من بيت السيد محمد السيد علوي البلادي من بلاد القديم بالبحرين، وذلك في الخامس من ربيع الأول من العام 1338هـ، عاش مع أمه جليلة بنت العلاّمة السيد علوي بن السيد حسين القاري عامين وستة أشهر، ولقد لقبتها في ولادتها بالخطيب، القابلة خديجة بنت أحمد بن ناصر من قرية أو خفير في بلاد القديم.
يتابع الراوي سيرته الذاتية التي حفلت بالأحداث والشخصيات التي شكلت محوراً هاماً في تاريخ بلاد القديم، وقد أغنى سيرته بالعديد من الصور التي شملت أفراد أسرته، والعديد من شخصيات بلاد القديم. إقرأ المزيد