تاريخ النشر: 05/04/2016
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:"شممتُ رائحة القرية وحقول قمحها ونخيلها، أحسستُ بِطعم القهوة العربية وقد ذابت بها حبّات الهيل والقليل من الزعفران، كأنما هذا السيف عاد ليأخذني معه مرة أخرى إلى القرية وإلى الطفولة. كانت هذه القصة كفيلة بأن تُبقيني في حالة تيقظ وفضول لمعرفة المزيد عن قصته ففي هذه المرة كان يتحدث ...بطريقة مختلفة، توقّفتْ أن تدمع عينا سيف في أي لحظة وهو يتكلم وكم توقف كثيراً وهو يلتقط الأنفاس بصعوبة، هذه القصة لها تكملة فهي لم تنتهِ بإعلان منه، ولكن يبدو أنّه تجاوز ظروفه القاهرة، فلم يَعد الفتى صاحب الملابس الرثّة أو ذلك الفتى اليتيم اليائس، هو الآن المهندس، أعطته الحياة دفعة قوية نحو الأمام حتى وإن كانت عن طريق مساعدة الآخرين.
مرّت عليّ أيام وأنا في حالة تكرار دائر على نفسه، أُكرر الطقوس الحياتية نفسها، فما أن أستيقظ من النوم حتى أعدّ كوباً من القهوة، بمعنى يختلف عن فكرة أنّ القهوة دلالة اجتماع بين اثنين أو أكثر، فما زلت في عزلة عن البشر، لأرتشفها برفقة هذه المدينة وكأنها باتت هي أيضاً مسكونة بالصمت، أفتح جهاز الكومبيوتر لأتصفح الجرائد اليومية والمنتديات وصفحة "تشايكوفسكي" الفارغة. تتراقص أمامي أشعة الجهاز بخفّة مع أنّه لا يوجد في صفحتي سوى اسم سيف، لكنّه يكتب كثيراً ويطرح آراء ويناقش أفكاراً، يكتب ولا يملّ أبداً من كلماته التي لا تنتهي وأفكاره خصبه تتجدد، وأصدقاؤه في تزايد، على الرغم من كل الظلم والقسوة اللذين لحقا به في حياته، فإنّه يكتب، يقرأ، ويتبادل التعليقات مع الذين من حوله.
أبحث في خبايا صفحة ياسمين فيكتشف لي حضورها التأملي في حالة تشكّل حديثنا السرّي ليُقرأ الليل بتأملات خفية، وكم كان يموج بالغيب، عالمها كَـكُل النساء، عالم شخصي ولا مجال لي للبحث فيه عن خبايا لأحاديث الهوى فتستقوي عليّ بما يحوم فوقها من قوة ملائكية، تخيّلتُ لو أني أتحدث معها فأقول بطوباوية حالمة: "احترت بأي أسلوب أكتب رسالتي إليك وأنت من يجمع ما بين لحن الكلمة وعذوبة الحرف في وقت واحد، عندما أخاطب الكاتبة لابدّ أن أعتني بالكلمة، وعندما أخاطب الياسمين لابدّ أن أعتني بجذورها، ولكن يجتمع الاثنان تبقى اللغة واحدة في كلمة واحدة سحرية لا تؤخذ بمعزل عن جذورها، ولكن يجتمع الاثنان تبقى اللغة واحدة في كلمة واحدة سحرية لا تؤخذ بمعزل عن جذورها، لا أريد من كلماتي هذه سوى أن أقول لك إني إنسان واحد وطريقي واحد، وفي رحلة بحث عن فكر واعد لإنسان واحد، وهذا ما أراه في قلمك الهادئ"
تخيلتُ لو أنّه بعد هذه الرسالة يأتيني منها الرّد ومعه قبول صداقتي لأعانق فرحتي بهذا الإنتصار.. كل ما يأتيه الإنسان في الحياة جميل إذا فكر هو في الجمال، نظرة للفرد خاصة، فطقوس الحب أشكال وألوان بين فرح وآهات، واللغة أشبه بمخدر، وفي فن تأثير الكلمات سحر يتفجر في ثوان، إنّ في الأمر ما يتطلب التفكير والتأمل، لِمَ لا يكون هذا المخدر علاجاً وقد تميّز بالنطق ذلك الإنسان، فتميّزت معه الحياة حتى أصبح للتغيير عنوان تتفرع منه كل الحكايات في العالم.
صوت بعيد أسمعه وكأنه يقول لي: "أيؤلمك أن تعود إلى تلك الذكريات وإلى أمكنة لم يبقَ فيها سوى أرض ممتدّة قد هاجرها ساكنوها، أيؤلمك أن تعود وهي خالية حتى من النخيل وحقول القمح؟"، ليرد صوت آخر بإجابته: "نعم يؤلمني يا من تكلمت. أن أعود إلى قريتي معناه اليقين الكامل بأنّ أهلها سئموا الحياة في حياتهم، وكرهوا النخيل في نخيلهم، وضاقت بهم الأرض وهي رحبة، وهي الآن أرض جدباء"
بات يُقلقني حتى بابها المشرّع بحكايا الصمت، وكأنها مجرد حكايات لحرقة وألم فحرمان، تستظل بمظلّة من كلمات، وفي الجهة المقابلة من الصورة أوراق تتساقط.. ظللتُ أراقب ورقة الحب من بعيد لأكتشف بأنّها الأكثر تساقطاً على الأرض ولكل سقوط روايته الخاصة، سقوط ماتع يأتي على شكل ألحان تدوّن في كل عقل فتعطي مفتاحاً لعوالم في الخفاء...
كل هذه الأفكار جائتني لأن كل من يتأمل الأفق وحيداً عاد وكأنه يريد ترميم ما قد تهدّم... عاد سيف فأعاد لي اللون الأخضر مرة أخرى، وقد تركتُ قصته جرحاً لا يندمل فما قمت به من عمل في السابق تجاه ذاتي لم يوصلني إلّا إلى الفراغ، ولا شيء سوى متابعة خيال الخصب، أعمل بعيداً عن أرض الواقع.."
هروب وحضور... واقع وخيال... نجاح، وفشل... إحباط وتفاؤل... نقيضان يتمثلان في عسّاف وسيف الشخصيتان المحوريتان في هذا العمل الروائي. يمضي الكاتب في استكشاف علاقة الإنسان بواقعه عندما يصاب بالفشل... بين شخص يستمد أمله من واقعه المأساوي (مُتمثّلاً في شخص سيف) وبين شخص (وهو عسّاف) يجرّه اليأس إلى درجات يركض فيها مع خياله المحلّق به إلى سماءات الأوهام حيناً وليهوى به إلى قيعان الفراغ واليأس في أكثر الأحيان، وهو بين هذا وذاك يعيش حالة الكراهية تجاه عسّاف الذي مثّل نقيضه..
تتوالى المشاهد، ويمضي الكاتب من خلال منولوجات عسّاف الداخلية ليكشف عن أسرار النفس الإنسانية صعوداً وهبوطاً.. هروبها ومدى مقدرة الإنسان عن اكتشاف الذات.نبذة الناشر:…وعلى الرغم من وجودك الفعلي وأصالة الكثير من ملاحظاتك إلا أنه تبقى في نظري ذلك الآخر القاسي، أعترف بأن ذلك غالباً ما يقع عليَّ بالمغالبة الشديدة للنفس، كم تمنيت لو أنها كانت تحمل في اليد فأتخلص منها دون أن يعلم بي أحد من البشر، ولكنها معلقة في الرقبة وتكلفني الانحناء لخلعها».. إقرأ المزيد