تاريخ النشر: 30/07/2013
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:في آذار 1979، وفي مصيف صلاح الدين التقيت الرجل الذي صنع كوابيس حياتي وحياة أهلي وأولادي لأول مرة وآخر مرة، كانت الثلوج تذوب بسرعة في قمم جبال كردستان وتجري المياه في النهيرات وأماكن السيول وتغطي السهول بزهور البابونج الصفراء، لم يكن هناك فرج بعيد الربيع، إنما الصمت يخيم على ...المدن والقرى مع بدايات إندلاع قتال جديد.
كنت مع وفد صحفي لنغطي إحتفالات الأكراد بعيد (نوروز) في الصباح الباكر أخذونا من الفندق - الثكنة في أربيل إلى موقع الإحتفال الذي نجهله، لم نر على طول الطريق السهلي المتعرج ثم الملتوي صعوداً إلى مصيف صلاح الدين أي علامة من علامات العيد، كنت أعرف ومعي عدد من الصحفيين الأجانب أي البشمركة في الجبال منعوا الإحتفالات حزناً على الزعيم البوزاني الذي توفي في المنفى قبل أيام.
لم نر العائلات التي يفترض أن تفترش التلال على جانبي الطريق ولا الملابس الكردية الملونة التي تنفرش على العشب... ليس هناك على إمتداد هذا الريف المتعرج خيال لإنسان... كنت أعلم أن عملية إفراغ الأرض من ساكنيها بعد هزيمة البارزانيين قد بدأت بالتطبيق، وحلت الثكنات والوبايا محل القرى، وفرقت الأسلاك الشائكة أوصال الريف الأخضر المزروع بالألغام.
في فندق صلاح الدين كنا نتناول الطعام على عجل قبل الذهاب لساحة الإحتفال، إلى جوارنا مائدة محجوزة لوفد على مستوى عالٍ لا نعرفه ولا أحد يعرفه، قطعنا طعامنا حينما سمعنا تصفيقاً ثم دخل صدام حسين بلحمه ودمه وحمايته، إذا كانت الهليكوبتر التي سمعنا دويها قبل قليل نقله لا بدّ أنه، وهو المسؤول الأول عن حرب الشمال، رأى من فوق تلك الحقول الموحشة التي رأيناها قبله، هذه الوحشة من إنحازه...
كان هذا الرجل أي صدام حسين يسكن زهير الجزائري الصحافي زهير الجزائري صاحب هذه اللقاءات مع رموز الدكتوريارت العربية، كان يسكنه وهو يشهد صعوده من موقع الرجل الثاني إلى موقع الرجل الأول، يتحدث بهمس مرتجف وهو تحت وطأة حكمه... وحينما أفلت فيه وهاجر إلى بيروت كأول منفىً له أراد أن يتحرر منه بالكتابة عنه...
لاحق أزلامه إلى بيروت متابعاً خطواتهم وأصابعهم على كواتم الصوت، كثيرون حزروه من الكتابة عنه لأن (يده طويلة)، ولأن أهله سيدفعون الثمن في بغداد... لكنه لم يستطع التوقف، فبين الجزائري الصحافي وبين صدام حسين ثأر شخصي ومرض... فكان يكتب ليشفى منه وهو يعرق أسراره، وكما كتب عن صدام الذي كانت له لقاءات معه شخصياً وعبر الشاشة والشارع وو...
كتب زهير الجزائري عن رؤساء جمهوريات ملكية عرب أبوا إلا الإستبداد بالسلطة وجعلها متوازنة ضمن سلالاتهم... كتب عن حسني مبارك... وعن معمر القذافي وعلي صالح، وعن الأسدين الأب حافظ والإبن بشار... كتب الكثير عنهم وعن مشوارهم الذي جعلوا شعوبهم تمجده بالدم للإحتفاظ بالسلطة.نبذة الناشر:متوحد وواحد رغم كثرة الحاشية والمريدين، يعرف الخديعة ولكنه يستمرئ ابتسامات التملّق وكلمات المديح لأنّها تُسمعه صوت ذاته، والحشد المصفوف تحت منصَّته يغريه ويطريه ولكنّه يزيد وحشته. ولأنّه لا يرى غير ذاته ستبدو له هذه الحشود ظلالاً باهتة، ومع ذلك يريدها لأنه يخاف وطأة الوحدة.يدري أنّه لن يملك الحب ولن يحصل عليه، فيستعيض عنه بالخوف الذي يوحّد الناس تحته. لقد جلبوا إليه، من دوائرهم ومدارسهم ومصانعهم، حشوداً كالقطعان، لا رغبة منهم، يعرف ذلك، يعرف الخديعة كاملة، لكنه يعبد الجمهور ويمسحه بعينيه من اليمين إلى الشمال، ومن أبعد واحد على عمود الكهرباء، حتى أقرب واحد في الصفوف الأمامية، قبل أن يقول أول كلماته فتدوي الهتافات والتصفيق. يعرف أن هذا الجمهور سينقلب ضده حين يتحرك الغوغاء. لكنه يستمرئ اللحظة الراهنة كأنها الأبد.لا يريد إرادة أخرى غير إرادته، ولذلك يتحتّم عليه أن يصرع النيّة قبل أن تستحيل فعلاً، وما من وسيلة لذلك غير إشاعة الخوف لإبقاء الناس تحت وطأة ذنب دائمة حتى وإن لم يفعلوا شيئاً. يدري تماماً كثرة ضحاياه، ولكنّه لا يستطيع إلّا أن يوقع أحكاماً جديدة فقد اصبح القتل حرفة الحكم اليومية التي لا عصبية فيها. قد يباغته ضميره في لحظة صفاء نادرة، ولكنّه سينحي ضميره ويوقِّع قائمة جديدة. فما دام قد قبض على جمرة السلطة في بلد يناكده فلا مجال إذاً للتراجع حتى نهاية الشوط. إقرأ المزيد