عدوس السرى ؛ روح أمم في نزيف ذاكرة - الجزء الأول
(0)    
المرتبة: 33,383
13.60$
الكمية:
تاريخ النشر: 15/08/2012
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"قبل أن يبتلع قوس الأفق الدامي اهتديت إلى الآثر، كان خف البعير مطبوعاً على سجاد الحصباء بوضوح، كان طازجاً أيضاً، متجهاً صوب الغرب، فتشبتت به، لزمت الأثر كأنه طوق النجاة، كان التشبث بأثر الخفّ المرسوم على الأرض إستجابةً لهاجسٍ غامض، بل تلبيةً لنداء عزيزة لأني لم أدرك صواب فعلي ...إلى فيما بعد؛ كما لم أفلح في تأويله التأويل الصحيح إلا بعد أن اجتزت مغازات كثيرة، وعشت في دنياي أهو ألا جسيمة، ولكن ها هي الظلمة تتمادى، وصقيع الشتاء الصحراوي يعلى عن نفسه، لأن سوء الحظ أي ألا أن يبتليني بالنية في فصل الشتاء، ولم يكتف بهذا القصاص، ولكنه ثنّى عامداً فجرّد ليلى من القمر أيضاً، كأن الثالوث الذي رأيته تالياً كنبوءة كان في عنقي قدراً منذ التكوين: التيه هويةً، والإسراء ليلاً، والسعي في وطنٍ محبوك من عدم!...
لم أتخيل بالطبع أن عَدُوس السُّرَىَ الذي تلقفني في تجربة ذلك التاريخ البعيد سيكون في المصير الذي سيتلبسني طوال تلك الرحلة التي لم تكن سيرة بقدر ما كانت تخبطاً موجعاً في ظلمات ليلٍ بهيم يكشكش في دروبه الأفاعي، ويعلو في فضائه صليل أنصال الأعادي! مع هبوط الليل وتسلّط الصقيع فقط اكتشفت إني عارٍ آلاف ذلك الثوب البائس الفضفاض الذي لا يكاد يستر البدن فكيف بقي من جليد "تينغرت" الذائع الصيت إذا كان لا يستر كامل الجسد؟...
لقد أيقنت الآن أن البرد الذي ينام في نخاع عظام هذا الجسد الذي أعجزتني في مداواته الحيلة والوسيلة ليس من صنيع الإقامة في روسيا، أو بولونيا، أو ثلوج الألب، بقدر ما كان صنيع جليد الحمادة، بل صنيع جليد التيه في تلك الليلة، هجمت في العراء العاري بعد إكتمال هيمنة الظلام... هجعت على الفرشة الحجرية متخذاً من ذراي العارية من الكمّ وسادة، لسعتني الحجارة بجمّة الصقيع لكني تجلدت، تطلعت إلى السماء فإذا بها تزدهر بالنجوم كأنها بالوميض في محفل، غير آبهة بمحنة المخلوق الضئيل الذي يهجع في الحضيض وحيداً، عاجزاً، أعزلاً.
بلى! كان الإحساس بالعزلة هو الكنز الذي اختزلته من تلك التجربة ليكون حجر الزاوية في كيان الثالوث، أقول أنه كنز لأنه القدر الذي لا يخذل، أقول الكنز لأن من غلغل النظر في العزلة فتغلغلت فيه العزلة وحده لا يهزم يحدث هذا ربما بسبب سوء التقدير، فالمعتزل الذي يحبسه الأغبار ليس معتزلاً كما يبتدّى، صاحب العزلة لا مصير صاحب عزلةٍ ما لم يحقق التماهي مع الطبيعة، ويغترب عن نفسه ليستعيد حضوره في الكون في هذا لابعد لا يعود وحيداً، لأن البرزخ ينقشع فيسكن الأرباب التي نراها مجهولة فتسكنه الأرباب.
ولهذا لا يستحي المعتزل أن يتكلم في عزلته بصوتٍ عالٍ لأنه لا يكلم نفسه على طريقة المجانين، ولكنه يخاطب آلهة، فهل يخاف، أو يعرف البلبال، أو يجبن من يسامر آلهة؟... غربة وإبداع وإستنطاق للذاكرة من خلال رحلة هي بجملتها لعبه بين الحرف وظلّ الحرف، أو لعبة بين المبدأ الوقتي الذي يُرى، وقرينه الأبدي المغمور في الغيوب الذي يؤكد حضوراً برغم إحتجابه بستور البعد المفقود.
وهكذا ومن خلال قصة إغتراب عدوس السرى وكأن إبراهيم الكوني يروي حكاية رحلة... رحلة لإستجلاء الحقيقة: حقيقة إغترابه في هذا الوجود، وإلى جانب الوجودي كإنسان، هناك إغترابه عن الهوية الثقافية بسبب الإنتماء إلى أقلية عرقية، وإغتراب آخر له هوقسري تمثل في هجرة قسرية عن مسقط الرأس وأرجوحة التكوين (الصحراء) ليتواصل هذا الإغتراب في إغتراب أشمل تمثل في خروجه من الوطن الأم لتصير إقامته في الإغتراب هي وطن فريد البيان، لأن ما هي إرادة البيان أساسياً إن لم تكن ضرباً من إرادةٍ الإغتراب...
وإذا كان الكوني وكما يقول قد حاول رصد الحضور في البعد المفقود من خلال عشرات الأعمال الإستعارية الصادرة له حتى الآن، أفلا يحق له أخيراً أن يشهد رصد الحضور في بعد الوجود بتأمل الرحلة من هذا الجانب أيضاً؟... لأمن ما هي دنيانا إن لم تكن متاهة إغتراب كلٌّ منّا فيها تحدد سُرَى؟... إقرأ المزيد
عدوس السرى ؛ روح أمم في نزيف ذاكرة - الجزء الأول
(0)    
المرتبة: 33,383
تاريخ النشر: 15/08/2012
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"قبل أن يبتلع قوس الأفق الدامي اهتديت إلى الآثر، كان خف البعير مطبوعاً على سجاد الحصباء بوضوح، كان طازجاً أيضاً، متجهاً صوب الغرب، فتشبتت به، لزمت الأثر كأنه طوق النجاة، كان التشبث بأثر الخفّ المرسوم على الأرض إستجابةً لهاجسٍ غامض، بل تلبيةً لنداء عزيزة لأني لم أدرك صواب فعلي ...إلى فيما بعد؛ كما لم أفلح في تأويله التأويل الصحيح إلا بعد أن اجتزت مغازات كثيرة، وعشت في دنياي أهو ألا جسيمة، ولكن ها هي الظلمة تتمادى، وصقيع الشتاء الصحراوي يعلى عن نفسه، لأن سوء الحظ أي ألا أن يبتليني بالنية في فصل الشتاء، ولم يكتف بهذا القصاص، ولكنه ثنّى عامداً فجرّد ليلى من القمر أيضاً، كأن الثالوث الذي رأيته تالياً كنبوءة كان في عنقي قدراً منذ التكوين: التيه هويةً، والإسراء ليلاً، والسعي في وطنٍ محبوك من عدم!...
لم أتخيل بالطبع أن عَدُوس السُّرَىَ الذي تلقفني في تجربة ذلك التاريخ البعيد سيكون في المصير الذي سيتلبسني طوال تلك الرحلة التي لم تكن سيرة بقدر ما كانت تخبطاً موجعاً في ظلمات ليلٍ بهيم يكشكش في دروبه الأفاعي، ويعلو في فضائه صليل أنصال الأعادي! مع هبوط الليل وتسلّط الصقيع فقط اكتشفت إني عارٍ آلاف ذلك الثوب البائس الفضفاض الذي لا يكاد يستر البدن فكيف بقي من جليد "تينغرت" الذائع الصيت إذا كان لا يستر كامل الجسد؟...
لقد أيقنت الآن أن البرد الذي ينام في نخاع عظام هذا الجسد الذي أعجزتني في مداواته الحيلة والوسيلة ليس من صنيع الإقامة في روسيا، أو بولونيا، أو ثلوج الألب، بقدر ما كان صنيع جليد الحمادة، بل صنيع جليد التيه في تلك الليلة، هجمت في العراء العاري بعد إكتمال هيمنة الظلام... هجعت على الفرشة الحجرية متخذاً من ذراي العارية من الكمّ وسادة، لسعتني الحجارة بجمّة الصقيع لكني تجلدت، تطلعت إلى السماء فإذا بها تزدهر بالنجوم كأنها بالوميض في محفل، غير آبهة بمحنة المخلوق الضئيل الذي يهجع في الحضيض وحيداً، عاجزاً، أعزلاً.
بلى! كان الإحساس بالعزلة هو الكنز الذي اختزلته من تلك التجربة ليكون حجر الزاوية في كيان الثالوث، أقول أنه كنز لأنه القدر الذي لا يخذل، أقول الكنز لأن من غلغل النظر في العزلة فتغلغلت فيه العزلة وحده لا يهزم يحدث هذا ربما بسبب سوء التقدير، فالمعتزل الذي يحبسه الأغبار ليس معتزلاً كما يبتدّى، صاحب العزلة لا مصير صاحب عزلةٍ ما لم يحقق التماهي مع الطبيعة، ويغترب عن نفسه ليستعيد حضوره في الكون في هذا لابعد لا يعود وحيداً، لأن البرزخ ينقشع فيسكن الأرباب التي نراها مجهولة فتسكنه الأرباب.
ولهذا لا يستحي المعتزل أن يتكلم في عزلته بصوتٍ عالٍ لأنه لا يكلم نفسه على طريقة المجانين، ولكنه يخاطب آلهة، فهل يخاف، أو يعرف البلبال، أو يجبن من يسامر آلهة؟... غربة وإبداع وإستنطاق للذاكرة من خلال رحلة هي بجملتها لعبه بين الحرف وظلّ الحرف، أو لعبة بين المبدأ الوقتي الذي يُرى، وقرينه الأبدي المغمور في الغيوب الذي يؤكد حضوراً برغم إحتجابه بستور البعد المفقود.
وهكذا ومن خلال قصة إغتراب عدوس السرى وكأن إبراهيم الكوني يروي حكاية رحلة... رحلة لإستجلاء الحقيقة: حقيقة إغترابه في هذا الوجود، وإلى جانب الوجودي كإنسان، هناك إغترابه عن الهوية الثقافية بسبب الإنتماء إلى أقلية عرقية، وإغتراب آخر له هوقسري تمثل في هجرة قسرية عن مسقط الرأس وأرجوحة التكوين (الصحراء) ليتواصل هذا الإغتراب في إغتراب أشمل تمثل في خروجه من الوطن الأم لتصير إقامته في الإغتراب هي وطن فريد البيان، لأن ما هي إرادة البيان أساسياً إن لم تكن ضرباً من إرادةٍ الإغتراب...
وإذا كان الكوني وكما يقول قد حاول رصد الحضور في البعد المفقود من خلال عشرات الأعمال الإستعارية الصادرة له حتى الآن، أفلا يحق له أخيراً أن يشهد رصد الحضور في بعد الوجود بتأمل الرحلة من هذا الجانب أيضاً؟... لأمن ما هي دنيانا إن لم تكن متاهة إغتراب كلٌّ منّا فيها تحدد سُرَى؟... إقرأ المزيد
13.60$
الكمية:
هذا الكتاب متوفر أيضاً كجزء من العرض
- الزبائن الذين اشتروا هذا البند اشتروا أيضاً
- الزبائن الذين شاهدوا هذا البند شاهدوا أيضاً
لايوجد بنود
معلومات إضافية عن الكتاب
لغة: عربي
طبعة: 1
حجم: 21×14
عدد الصفحات: 480
مجلدات: 1
- الأكثر شعبية لنفس الموضوع
- الأكثر شعبية لنفس الموضوع الفرعي
لايوجد بنود
دور نشر شبيهة بـ (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)