المأزق العربي ؛ العرب في مواجهة الإستراتيجية الأميركية
(0)    
المرتبة: 476,011
تاريخ النشر: 01/01/2004
الناشر: بترا للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة الناشر:كتب الهوني: "لا خيار لنا في قبول العولمة أو رفضها لكن المتاح والمهم هو تحسين أدائها وتصحيح مسارها بحيث يكون أكثر إنسانية (…) مهمة الفلسفة وكذلك الفاعلين الاجتماعيين والمواطنين هو النقد وتصحيح المسار ومحاولة الحد من عدد الضحايا". هذا هو البديل للرفض العصابي لكل جديد في الفكر أو في الحياة: ..." تصحيح المسار". نحن هنا أمام فكرة أساسية في فلسفة التاريخ لم يستوعبها الوعي الثقافي العربي العام بعد: المسار التاريخي يتكون من اتجاه واتجاه مضاد يتصارعان في حقبة تاريخية ما، والتاريخ الواقعي هو محصلة هذين الاتجاهين المتصارعين. ليس بمستطاع الإرادوية، أي إدعاء معرفة المستقبل والعمل على تحقيقه ولو بالعنف، أن تتصدى بنجاح ولفترة تاريخية كاملة، لتيار تاريخي هو تعريفاً لا يُصد ولا يُرد. هل يعني هذا انعدام إمكانية التدخل البشري في التاريخ؟ كلا، بإمكان الإنسان التدخل في التاريخ عندما يعي حدود تدخله: لا لرفض الاتجاه التاريخي، بل لضبط REGULER مساره؛ أي التصدي لأثاره الجانبية لجعلها أخف وقعاً على ضحاياه. وهذا ـ للحقيقة التاريخية وكنقد ذاتي ـ ما وعاه التيار الإصلاحي في الحركة العمالية منذ بداية الحداثة عندما ناضل لا لإسقاط الرأسمالية، الذي كان ضرباً من المحال، وإنما للحد من وحشيتها بتلطيف شرط الاستغلال، وحقق في هذا المجال إنجازات هائلة.
فماذا يعني هذا في الواقع العربي اليوم؟ مواجهة جميع المشاريع والمبادرات الغربية والدولية بالتفاوض لتحسين شروط قبولها. في عالم تقاطعت وتلاقت فيه مصالح جميع الأمم وتحولت فيه كل قضية قومية لم تحل في الوقت المناسب إلى قضية دولية وغدت فيه الحداثة، بمؤسساتها وعلومها وقيمها، خارجية المنشأ؛ لم تعد "لاءات الخرطوم الثلاثة" ممكنة. فلم يعد بإمكان نخبة عربية أن تقول "لا اعتراف بإسرائيل ولا تفاوض ولا صلح معها".
رفض خطة الشرق الأوسط الكبير لأنها تتضمن دمج إسرائيل في العالم العربي طبعة طبق الأصل من اللاءات الثلاثة، ولكن في حقبة جديدة تماماً بات الرفض فيها عقيماً وخطِراً، أجدى منه التفاوض على دمج إسرائيل في المنطقة والتطبيع معها. إسرائيل المندمجة في الشرق الأوسط لن تكون إلا إسرائيل المعترفة بدولة فلسطينية والمتصالحة مع جاريها السوري واللبناني ومع بقية العالم العربي. الاتحاد الأوربي قفص من ذهب للنسر الألماني فلماذا لا يكون الشرق الأوسط الكبير بدوره قفصاً من ذهب للصقر الإسرائيلي؟ ليس القومويون والإسلامويون وحدهم الخائفين من دمج إسرائيل في محيطها العربي، بل يشاطرهم هذا الخوف اليمين وأقصى اليمين الإسرائيلي. مناحيم بن كتب غداة اتفاق أوسلو: "السلام يهدد إسرائيل بالذوبان في المحيط الثقافي العربي، منذ الآن بدأ الفنانون اليهود يتعلمون الغناء بالعربية للغناء أمام مليون سائح عربي سنوياً". بدوره يرى رئيس جامعة تل أبيب المستشرق رابينوفيتش وسفير إسرائيل السابق في واشنطن ومدير المفاوضات مع سورية في كتابه الأخير " مخاض السلام" أن: طريق انخراط [إسرائيل في المحيط العربي] ما تزال طويلة وذلك أيضاً بسبب طبيعة العلاقات المباشرة بين إسرائيل والعرب، وكذلك بسبب الفجوة الاقتصادية مع العالم العربي، رغم الجهود الأمريكية لتحقيق إصلاح بعيد الأثر في المنطقة، فإن رابينوفيتش يعتقد بأنه ستمر 20 سنة أخرى على الأقل لكي تستوعب الدول العربية الديمقراطية. والإسرائيليون أيضاً هم بدورهم في نظره غير متحمسين لانخراط كامل في المحيط [العربي]. إسرائيل ستصبح دولة عبور وستغرق بالعربات الكثيرة .. مئات آلاف الزوار سيصلون إليها، لا مع الحراب في أيديهم بل مع غصون الزيتون في أفواههم .. وهذا موضوع معقد جداً ونحتاج إلى أن نفكر فيه كثيراً. يمضي رابينوفيتش في كتابه في الطريق ذاته إذ يقول: " في حساب بارد، السلام البارد يلائم الطرفين" (ألوف بن ـ هاآرتس 30/3/2004). لماذا هذا الرهاب الهستيري العربي اليهودي من دمج إسرائيل في محيطها العربي؟ لأسباب عدة أهمها في نظري أهمها نفسي ثقافي، المركزية الإثنية المتأصلة في الوعي الديني لكل من اليهود والعرب: يهوه أمر شعبَه المختار بأن لا يختلط بالشعوب الأخرى ليعيش في غيتو أبدي، والإسلام السلفي قال للعرب " كنتم خير أمة أخرجت للناس" وهو ما فهمه الناطق باسم السلفية الإسلامية ابن تيمية على أنه تحريم للتشبه باليهود والنصارى والاختلاط بهم.
في الفصل الأخير من بحثه عالج د. محمد عبد المطلب الهوني الإشكالية المركزية: إشكالية الإسلام والحداثة: "الدين في حد ذاته ليس عائقاً من عوائق التحضر" لكن تحويل أحكامه الزمنية إلى حقيقة مطلقة متعارضة مع متطلبات الحداثة، يجعله عائقاً. وهذا صحيح. فكيف نزيح هذا العائق؟ بإصلاح الإسلام عبر فصل الزمني -الذي غيب الروحي فيه- عن الروحي. كيف نحقق هذا الفصل؟ بإحلال القانون الوضعي محل الفقه، والمحاكم الحديثة محل المحاكم الشرعية، وعقد المواطنة الحديثة محل عقد الذمة، وحقوق الإنسان محل حقوق الله على الإنسان (العبادات)، والقيم العقلانية والإنسانية الكونية محل قيمتي الحلال والحرام الخاصتين بكل دين، ورفع الحظر عن علوم الحداثة لتدخل جميعاً مدارس العالم العربي وجامعاته، ونزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني التي من شظاياها 90 مليون شاب عربي عاطل عن العمل والتي تعقم كل جهد تنموي، وأخيراً الاعتراف للمرأة بمساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.
الحداثة تمشي على قدمين: التشريع والتعليم. التشريع الحديث شرط ضروري لإصلاح الإسلام لكنه غير كاف إذا لم يترافق مع تعليم، خاصة ديني عقلاني، تحل فيه محل المدرسة السلفية السائدة مدرسة العقلانية الدينية المنفتحة التي تفتح النص الديني للتأويل وخاصة للقراءة التاريخية لتكييفه مع متطلبات الواقع. النواة الصلبة لهذه المدرسة العقلانية هي المدرسة التونسية خاصة منذ 1990.
ماذا تعني القراءة التاريخية؟ نسخ أحكام الآيات والأحاديث، خاصة الزمنية التي غدت متقادمة.
هذه القراءة التاريخية للنص الديني دشنها القرآن نفسه بالناسخ والمنسوخ عندما كان ينسخ الآيات الزمنية (تلك الخاصة بالمعاملات والعقوبات البدنية والسياسة والحرب…) ليعوضها بآيات زمنية أخرى أكثر ملاءمة للمستجدات وحاجات ومصالح الناس. بعد موت النبي واصل الصحابة (أبو بكر وعمر وعلي ومعاذ…) هذه القراءة التاريخية فنسخوا الآيات الزمنية التي تقادمت في عهدهم. بعدهم واصل الفقهاء هذه القراءة الخلاقة التي نحن اليوم في أشد الحاجة إليها لتكييف الإسلام مع الحداثة بعد فشل جميع محاولات أسلمة الحداثة، وآخرها محاولة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي شاء "مكر التاريخ" أن تكون مدخل النخبة والشعب الإيرانيين معاً إلى العلمانية التي غدت البديل المحتمل وربما الوشيك لهذه الجمهورية الإسلامية. إقرأ المزيد