تاريخ النشر: 01/05/2006
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:القرآن كتاب العربية الأكبر، وتراكيبه وأساليبه هي الأصل الذي يستأهل أن تقوم عليه دراسة التراكيب العربية والأساليب العربية والقرآن في ما اشتمل عليه من معالجات أدبية متنوعة متعددة قد أسس للأساليب والتراكيب التي استطاعت بعد أن قامت أركان الحضارة، أن تستوعب أفكارها ومعانيها، وأن تكون تلك الأساليب والتراكيب وعاء ...للعلم والفلسفة وسائر ألوان الحياة الجديدة؛ فوق كونه أداة التعبير الأدبي المؤثر البليغ، والقرآن في صورته الطلعة الحرة من كل قيد، هو الذي خرج بالأساليب العربية من حدودها، وهو الذي أطلقها من قيودها فصار أداة التعبير الفنية عن الحياة والحضارة في جوانبها وأجزائها المختلفة.
والقرآن إذن هو الخليق بأن تكون أساليبه وتراكيبه المثال الذي يقتدى به وينحى نحوه، ويهتدي به وينحى نحوه، ويهتدي به. ويرى المؤلف بأن الذي كان ممن وضعوا النحو في أول الأمر، غير ذلك، بل العكس من بعض الوجوه، فقد اشتطت بهم السبل وعميت عليهم المسالك، فتنكبوا سبل القصد، واعتمدوا في وضع قواعد النحو على ما بلغهم من كلام العرب شعره ورجزه ومثله. أو آثروا جانب المنطق، فتصوروا القاعدة قبل استقراء المادة اللغوية، وركبوا مركب الشطط فحاولوا أن يجعلوا للقواعد المجردة على المروي المأثور، يحكمونها فيه ويحسبون أن ذلك هو الصواب، وما هو إلا مجانبة للصواب. ولقد بلغ بعضهم في هذا المجال مبلغ الإيغال والغلوّ، فحكموا على مواضع من آي القرآن بخروجها على نحو العربية، وركنوا إلى التأويل والتخريج، حتى تنسجم تلك المواضع بأساليبها الرائعة وتراكيبها الدقيقة مع ما افترضوا من قواعد وما رسموا للنحو من حدود، ويضيف المؤلف قائلاً بأنهم لو سلموا للقرآن من حيث تاريخ نزوله على الأقل بما سلموا للمروي من كلام العرب في القصور التي يستشهد بالمروي عنها لما سقطوا في مثل تلك المزالق، ولما وقعوا في مثل تلك الأخطار.
فقد كان خليقاً بمن وضعوا النحو وأسسوا قواعد أن تكون المادة القرآنية أهم ما يقيمون عليه تلك القواعد ويستندون إليه في وضع النحو، لأن أسلوب القرآن وتركيبه مبدأ من الضرورات والشواذ التي حفل بها الشعر وامتلأ بها غريب اللغة الذي استندوا إليه بلا اعتدال ولا قصد، فلقد فرطوا في جانب المادة القرآنية تفريطاً أدى بالنحو إلى إهمال كثير من الأساليب القرآنية العالية الرفيعة، حتى لم تعد تستعمل أو تحاكى، وحدد الأدباء والمنشئين وقيدهم بأساليب وتراكيب لم يشأ أولئك الواضعون أن يخرجوا عليها، وأن ما سيعرض له المؤلف في بحثه هذا من أمثلة إنما غايته منها أن تدل على سبيل أوضح وأقوم في درس النحو والانتفاع به، آملاً أن يجد فيها الذين يهمهم أن يتعلق النحو، كما هو في الحق، بالأسلوب التعبيري وبالمعنى، بلغة يبلغون بها ما هو أجدى وأنفع. ولقد سلك المؤلف في هذا البحث طريقاً هو في حاجة لإيضاح الدافع إلى سلوكه، فقد عمد إلى النصوص مجردة من الشرح والتأويل والتوجيه، معتمداً إغفال تعليقات المفسرين والمعربين وما قدّروا من محذوف تخيلوه أو متقدم في الذكر تصوروه، أو عامل كان في نظرهم لا بد من وجوده، إلى غير ذلك مما يدفعهم إليه استمساكهم بقواعد النحو كما تصورها النحاة ودرجوا عليها. إقرأ المزيد