تاريخ النشر: 01/05/2006
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"سأعترف أن الفضول غلفني تماماً، ما كنت لأغادر غرفتك دون حكاية كاملة، التزمت الصمت، وبحياد نظرتي أنصت. "الضربة تأتينا منذ بدء التكعيب، في سن العاشرة منعتني أمي بتحريض من جدتي من الخروج للعب، كان ذاك الـ إبراهيم مصدر توجسهما، بتعلقي به، وقطع (الرهش) التي يغمرني بها دائماً!
ما عاد مسموحاً ...نط (الحجلة) مع البنات عند الباب، ولا الركض حافية مطاردة من قبل إبراهيم بعد اليوم -قالت والدتي-. بقيت حبيسة الدار، والخروج يكفنني بسواد العباءة ليكتشفني إبراهيم -بنزق ابن الستة عشر عاماً- دوماً من بين كل البنات، يقتفي أثري حتى وصولي إلى وجهتي ليغادرني وعلى طرف فمه ابتسامة، لئلا يلمحنا أحد. لكن قلب أمي علي رغم تمردي، يرقبني، ويرى ارتعاشي مهما أخفيت. التهمت الضرب راضية وما عدت أطل من الشباك، حتى غدت ملامحه كطيف مبهم بالنسبة إلي".
سهمت للحظات، ثم التفت إلى مفصحة عن المزيد: "رضيت بالانكسار حتى جاء يوم هشمني، ما كان لي أن أنطق معترضة، والكل موافق وترتيبات زفافي اشترك بها الجميع. كان أبو إبراهيم هو الزوج. بكل فارق العمر بيننا، وبأبنائه الأربعة وأصغرهم، كان إبراهيم!! وبالمرات العديدة التي "تنططت" أمامه لاعبة مع ابنه، والسنوات المتلاحقة التي نقدني بها "العيدية" بسخاء لتنفرج ابتسامتي، وبهستيريا الطفولة أردد (مشكور عمي)!"
هو نفسه عمي إبراهيم..؟! كان تساؤلي يتبع تفاصيلك، يدور في خلدي ولا يجازف بالإعلان. "صرت زوجة أبيه..! بكل ما للأقدار من دوران وسخرية. منذ تلك الفاجعة هجر المنزل، وأمطرني في قليل المرات التي التقينا بها بسيل نظرات حانقة. بقي بعيداً تصل أخباره من الجنوب بين الحين والآخر. جدك أحمد خلفني أرملة بعد عشر سنوات فقط، لأقضي عمري كله مصروعة بين الحنين وقسوة العادات، بين إلحاح إبراهيم على جنون الزواج ونظرات أبيك وإخوته تجتذبني لأبقى أظللهم. أهدرت العاطفة القديمة، وارتضيت الترمل قدراً".
صمت، ثم تنهدت: "قلت له ما يجوز، لكنه من يومها هجرنا وانقطعت أخباره". وبكيت أنا التي لم أر دموعك حتى في المآتم، شهدتها ذاك النهار تتساقط بسخاء. وبكيت معك. ثم لفنا صمت قطعناه بالعودة لغداء العائلة، وصرت تجوبين المطبخ بالعالي من روحك كما لو لم يدر بيننا ذاك الحوار!
مع اجتماع بقية الأسرة، كنت وأنا نغسل أيدينا، فهمست: يعني عمي إبراهيم كان يمكن أن يكون هو جدي..؟ ما كنت أنظر إليك حين هلوستي، أقلقني الصمت فرفعت عيني لألتقي بحمم عينيك في مرآة المغسلة، ولك تنطقي بكلمة. غادرتنا بعد تلك الحادثة بخمس سنوات، كنت طيلتها مختلفة معي، حبيبة ولكنها ما عدت قريبة، وما عادت ساعات البوح الطوال السابقات تجمعنا، أبقيتني مميزة بين الجميع لكن قلبك أوصدت بابه واحترفت الصمت. عرفت أن بعض الجروح لا يمكن لمسها كي لا تنكأ، ومعي فضضت الجرح جاهلة صعوبة مداواته. ذهولي لن ينسى دموعك أبداً، وقلبي لن ينسى آخر همسك الذي شمعت به باب قلبك بأن: أحبي يا (حنان)، أحبي الرجل الكفء.. وبصدق.
كيف أنني وحتى الآن، كلما ازدحمت ذاكرتي بحكاياتك، وشرعت بالبوح لأي كان، حتى دون ذكر ألسماء، ترمقني عيناك بالنظرة ذاتها، فأبتلع الحديث لأطلق بعدها "الفاتحة" مهداة لروحك. أعرف أن صلواتك تتبعني، وأني ببركتها كنت حبيبة الكفء الذي تمنيت، ولعينيك ما خضعت لعرفهم يوماً، ولروحك الأعذب شطبت الظلم من عاداتهم. يمه فاطمة، مشتاقة! أزرع (المشموم)، أغسل الشاهد بأدمعي، وأيمم طريق العودة المح عمي إبراهيم مقبلاً من بعيد..."
بحس مرهف، وانسجام مطلق بين الكلمة والمعنى تطلق "هبة بوخمسين" أفكارها، سارحة حيناً بين غياهب الماضي القديم، لتروي حكايا الماضي بآهاته وآلامه، حكايا عن العائلة، والناس، والأصدقاء... ولم تنسى همومنا نحن العرب، حيث خصصت نصاً من مجموعتها هذه قرأت من خلاله واقعنا المتأزم محاولة وعبر الخيال العابر وضع حل لمشاكلنا، غير أنها عادت للواقع لتكشف عن عدم إمكانية التغيير. إقرأ المزيد