تاريخ النشر: 01/06/2005
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"لا أحد منّا خطر في باله قط، ولا تراءى له ولو في المنام، أن مدير إعداديتنا إياه سيطل بوجهه من كوة المرحاض صارخاً مستغيثاً، وأن الآذن "أبو الآذن "أبو محمود" سينهز هرعاً إليه، وأننا سنتجمد ف أماكننا ذهولاً وانبهاراً مثل تماثيل شمعية في متحف!
فلو وقعت الحادثة مع أي مدرس، ...حتى مع أستاذ اللغة العربية الأقدم والأشد صرامة، لانقضت وأمحت ذكراها من أذهاننا بعد بضعة أيام كأنها غيمة صيف عبرت. أما مع المدير نفسه، في وضح النهار، وعلى مرآى منا جميعاً.. فقد حفرت في ذاكرتنا وعلى ألسنتنا مثل نقش في حجر!
فإلى يوم قبل وقوع الحادثة، بل إلى ساعة منها، ما كان لأكثرنا شجاعة أن يستطيع تهدئة ارتعاد ساقيه إذا ما مرّ المدير قربه، ولا يتمكن أي مغامر منّا أن يعيد الدم الهارب من وجنتيه لو هدّده الموجه بإعلام المدير، وسواء أهمل طالب واجباته أو لكز آخر زميله.. تغيب يوماً أو تأخر دقيقة.. تقصد المشاغبة أو سها عن خفض صوته.. فإن مجرد ذكر المدير وتذكر نظامه الخاص (الذي طبقه على مدرستنا علاوة على الأنظمة العامة للمدارس) كان الوعيد الأشد والجزاء الأنجع للجميع: المغامر منا، والمجرّب، والمسالم!
وما كان للمغامرات والمخالفات، بالرغم من ذلك، أن تنتفي لولا حال المدرسين! ففيما كانوا يتخشبون أمام أعيننا حين يدهم المدير صفوفنا، أو تراهم يترددون ويتقلقلون لحظة دخول مكتبه، أو يطرقون خافضين الصوت إذا ما استدعى أحدهم لشأن، أو يطرقون خافضين الصوت إذا ما استدعى أحدهم لشأن، ويطيرون من الفرح لو غادر اجتماعهم من غير عقوبة يسطرها أو توبيخ يعلنه.. كان الآذن المسكين "أ[و محمود" خرقة حقيقية بين يدي المدير، يسمح به الأرض مسحاً حتى صار رعباً مجسماً: يسبقه ويلحق به ويدور حوله ويشيع عنه فيعتبر الجميع ويتعظمون.. الأمر الذي حولنا إلى قطعان من خوف تصيخ إلى جرس المدير وتتبعه من غير أن تغفل عن وقعه لحظة..
المدير الذي حسب بدقة مسافة رفع قفاه عن كرسيه عند استقبال زائر أو مراجعة ولي أمر، وعرض ابتسامته -إذا ابتسم- وعدد كلماته، وحركة حدقتيه، ووضعية ساقيه وذراعيه في الجلوس، ومشيته، ولباسه، والتفاتته، ونسبة تأخره في الدخول إلى قاعة الاجتماع الشهري، ودرجة صوته وقت إصدار التعليمات والأوامر، وكيفية إبعاد المقربين إليه كي يسعوا لعودتهم وتقريب المبعدين ليحرسوا حظوتهم، طريقة إكراه أحد الأولياء على رجائه والتوسل إليه والتذلل أمام الجميع حتى إذا ما نال الأب تعاطف المدرسين وتعاطفنا، أمر المدير أمين السر بتسطير كتاب فصل الطالب... مديرنا الحريص، المتنبه هذا لم يحسب لتلك الساعة حساباً".
يمثل هذه الروح الدعابية، والسلاسة في التعبير، تابع "إبراهيم صموئيل" نثر متن مجموعته القصصية "الوعر الأزرق" والي ضمنها اثنا عشرة قصة قصيرة رسم من خلالها لوحات عن حياة الراوي ولقطات من معاناته سواءً في المدرسة كما في المقطع المثبت سابقاً أو في الشارع، أو في المنزل لقطات، هي أقرب إلى الواقع وتتحدث عنه.نبذة الناشر:الوعي الأزرق.. نشيد.. نشيد روح تتحرر، بالكتابة، من عتمة الظلام، نداء نفس تعرب عن عجزها في مواجهة القدر، وصراع إنسان يحاول ولو لومضة خاطئة، استعادة كرامته. فمن خلال قصص قصيرة، وعبر الشخصيات، والمشاعر الملونة، وتقلبات ميراث، يلتقط إبراهيم صموئيل لحظات الكون.
ما شدني كقارئه أجنبية، من أم سويسرية وأب إسباني، رسالة الكاتب الشمولية التي تتجاوز قيود القمع وجدران الحبس، بل وحدود الشرق الأوسط، لتدل من خلال خصوصيات أصالي دمشق وألفه حاراتها الصغيرة إلى مواطن مشترك لنا شرقاً وغرباً، الإنسانية. ولعل أكثر ما أثار إعجابي، وأنا من المستعربات، أن كتابة إبراهيم صموئيل بعد تأملنا في محيط لغتها وعرضنا في أعماق روحها، تضعنا أمام تلك "المعانة المجهولة المثيرة"، وعبر هذه المسافة التي نشأت بين خلق القصة وخيالنا، يفسح لنا الكاتب أبعاداً واسعة مختلفة منها تفسيرنا الخامي للحياة، فتصبح القصة قصتنا.
غراثييلا لوبييث إقرأ المزيد