تاريخ النشر: 01/07/2004
الناشر: دار الآداب
نبذة نيل وفرات:"حين أعود منتصف الليل إلى حجرتي وأشيائي، أدع المقهى وحيداً في حضن الليل، لا يزعجه سوى ندلاء صاخبين في الورق، وما يتسلل أحياناً من فم المذياع والسابلة، وأدعني كما المقهى وحيداً إلى خطواتي، تموج بما لا أدرك من صور البارحة وما يدور من أفكار واعتمالات جدُّ غامضة، لا يفضها ...فقهٌ، ولا يحررني منها غير هذه العائلة الطويلة من الياسمين المسترسل على سور منزل على يساري، فتصمت داخلي الجلبة. لا تمتد يدي إلى هذا الفراغ أو ذاك، ولا أقطف زهرة. إنني أنظر وأرى... وتتشمم روحي روائح غيّابها، دون أن تنتظر صغير قطارات من البعيد. رغبات كثيرة أدعها نائمة، وأسترسل فيّ، أتوغل في اللحظة الراهنة التي يشكلها الزهر والليل في انسيابه المائي العليل الدافئ، كأنه صورة للكهولة الراضية، يدهشني اللحظة، ليس مثل كلّ يوم أراه أثناء عبوري اليومي المعتاد. يدهشني كفرح مباغت، لا رادّ له، أو شبه، أو تفسير، ولا أرى ما يدفعني أو يحثني لأعرف سبباً ما لكل هذا و"بدون تفكير أحسّ" تماماً كما يقول "فرناندو بيسوا" الذي أقرأه هذه الأيام، وأنجب داخلي الكلمات غير المكتوبة، وأعيشها. أقر لنفسي، أنني لا أفهم كل هذا، رغم أنني أراه، وأكاد ألمسه بين يدي... ثمة نور داخلي، نور لا تبعه أعمدة الكهرباء، ولا أضواء البيوت المحيطة، لكأن نفحة ما من وثنية غامضة لا أتبين لها بدءاً أو مساراً تتغلل فيّ، وتجعلني هذا المجذوب، نور يتسلل من الطبية الليلية حولي وفيّ... بلى، هو كذلك، على أن ما يضفيه الياسمين على حساسيتي من تفتحات ووقوف على شعرية الطبيعة، يجعلني أبتسم لهذه الغابة الكثيفة من الخضرة المطرزة بأزهار بيضاء، كما لو كانت نجوماً لسماء صدري العريضة. وبينما أغيب في رفيق هذه الأجنحة السماوية، حيث كل شيء مترع بوجوده نفسه، أرى هزال المكتوب على الورق، وأعود إلى نفسي، لأرى ما كتبت، وما صار مخطوطاً لي، وأرى إن كان لصوتي ذلك الهجود الذي غشاني ولازمني في عملية الكتابة... وأعبر الليل وحدي في نفحات الياسمين، مغموراً بهذا الإحساس الوثني بالأشياء حيث أراني عضواً في هذه العائلة الكونية، لا أقل ولا أكثر".
غربة الروح تتآلف مع غربة الوطن لتشكلا مساحة من العذاب من الأمل من الانعتاق ثم الائتلاف مع الموجودات. يتمادى الروائي في استرسالاته الوجدانية الفلسفية الرائعة من خلال راوٍ عاش تجارب حياتية مسرحها ما بين مدينة القلب رام وموئل الروح فلسطين ولندن بضبابيتها التي بعثت في روحه شجناً وحنيناً. شخصيات نسائية تناوبت على حياة الراوي لتحتل كل منها مكانة ولتشكل كل منها تجربة وجدانية دفعت بالراوي إلى استحضارها ضمن عمل روائي. إقرأ المزيد