نقد ثقافة الحجر وبداوة الفكر
(0)    
المرتبة: 123,159
تاريخ النشر: 01/02/2004
الناشر: المركز الثقافي العربي
نبذة نيل وفرات:ماذا أصاب اليوم المثقفين العرف؟ وبماذا تفسر انتكاسة الحس النقدي والسجالي لديهم؟ ومهما تضعف الذاكرة أو يقصر حبل المعارف، فلا يمكن إنكار أن هذا الحس قد عرف بعد عهود ما سمي بالانحطاط نوعاً من الانتعاش والنهوض طوال العقود الستة أو السبعة الأولى للقرن العشرين على وجه التحديد. وقد كان ...ذلك الحسّ السجالي يمارس حريته وحقوقه حول قضايا أدبية واجتماعية كبيرة، منها مثلاً: إشكالية صحة الشعر الجاهلي، ثنائية الفصحى والدارجة في الكتابة والتبليغ، صراع القديم والجديد في ضروب القول والإبداع ومنها كذلك ما يتعلق بالحريات والديموقراطية وفصل الدين عن الدولة وتحرير المرأة إلى غير ذلك من شؤون الناس والفكر.. وعلى افتراض أن من هذه القضايا ما تقادم أو حُل أو هو في طريق الحل، فما هي القضايا والمواضيع الجديدة التي تستحق أن نصوغها ونطرحها ونتداول حولها ونساجل، فنعبر عن انخراطاتنا في العصر وعن حضورنا فيه؟
الحق أن القضايا "الجديدة" مع معالجتها في كتب ومصنفات، ليس هو المصاب بالندرة والانتكاس، بل إن هذه الإصابة الخطيرة، تحل، بالأحرى، في تلقينا النقدي والسجالي لهذا الطرح أو ذاك. فهل من صالحنا وصالح حياتنا الثقافية أن يظل الوضع على ما هو عليه من فتور وعياء وتصدع؟ هل من المجدي مواصلة تأليف الكتب قصد ملء الخزانات، وليس بغية تحريك السواكن الذهنية وخلق جدليات وديناميات فكرية جديدة؟ أليس من المستعجل المبادرة إلى بعث وتنشيط هذه الأشياء التي رأى طه حسين عن صواب أنها "هي الأشياء الخصبة حقاً"، وهي "البحث والنقد والتحليل والشك والرفض والإنكار". إن هناك سبلاً لإعادة الحياة والدفء إلى وجودنا الثقافي بقصد إرساء شروط التنافسية المنتجة فيه، وتقوية نسيجه التواصلي الدافع، إنها سبل كثيرة لكنها في الحقيقة تفضي كلها إلى سبيل رئيسي واحد: الانتماء إلى روح الحداثة البصيرة المتجددة بما أنجزته وتنجزه من تقدم في مجال الحريات والوعي الديموقراطي. وبالتالي علينا أن نتعلم هذا الانتماء ونستحقه، وذلك بأن نتنفس ونتخيل ونحلم، وأن تعمل ونفكر ونساجل كما لو أننا نعيش في مجتمعات حرّة ودول ديموقراطية لا غبار عليها، وهذا إلى أن يظهر العكس، وإن ظهر العكس فما علينا إلا أن نستمر ونزيد في ممارسة المقاومة والنقد، محوّلين هذه الممارسة إلى عرف طبيعي وتقليد راسخ.
وهذه فرضية موفورة الصحة والنفع، لن يكون هناك جهد لأجرأتها والعمل على هديها، ضمن ما يسمى "الفلسفة بالفعل" التي تعرّ ف سلباً بنأيها عن مدارج الدوغمائيات اللاجدلية ومعارجها المعتمة، وكذا عن المفاهيم اللامراقبة معرفياً أو "اللوغوماشية" (أي ذات جعجعة ولا طحن)، أما إيجابياً فإن مقومها الأساسي يكمن في سعيها إلى وضع اليد في "العجين التاريخي"، وتعقب وقائع معينة دالة من أجل الإمساك بنواصي حديثيتها ومنطقها وعرضها على المفهمة المناسبة والتنظير المنير، أي على الفكر الفلسفي كفكر استكشافيّ، موضوعه جدلية الوجود والجدوى وتمظهراتها الدلالية في مرآة امتحانات العالم والزمان. وهذا الفكر هو الذي يروم الدكتور بنسالم حميّش بتبنيه وإعماله بين دفتي هذا الكتاب، بالنظرية حيناً وبالممارسة أحياناً. إقرأ المزيد