تاريخ النشر: 01/01/2014
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"في نظرة واحدة أفصح العمدة عن نفاذ الصبر الذي قدمه طوال أسبوعين من المعاناة، حتى ولو كان العالم يوشك أن يبلغ نهايته يا ابت أصبح الألم حصيناً في مواجهة المسكنات، فعلق العمدة أرجوحته على شرفة غرفته محاولاً الإغفاء في برودة صدر المساء، لكنه هوى عند الساعة الثامنة في هاوية ...اليأس مرة أخرى وهبط إلى الميدان الذي كان يغط في سبات تحت وطأة موجة الحر. بعد الطواف حول المنطقة دون العثور على مصدر الإلهام الذي يحتاجه للسمو فوق الألم مضى إلى دار السينما، وكانت تلك غلطة، فقد زاد أزيز الطائرات العسكرية في تفاقم الألم، غادر دار السينما قبل الاستراحة وبلغ الصيدلية فيما كان دون لالو موسكوته يتأهب لإغلاق الباب".
العزلة اصطلاح غائر في أعماق عالم ماركيز انطلاقاً من عالمه الخاص انسياباً إلى بناه الرواية. والعزلة في عالم ماركيز تتجاوز كونها حالة، إنها تضرب جذورها، تتعمق تتكاثف، تتبلور تصبح في النهاية طريقة حياة، فقد ومنهاج استجابة في مواجهة الدوافع السياسية والاقتصادية الخارجية، تنتقل من كونها لعنة إلى انكفاء سلوكي يترجم المحتوى العقلي في شكل انكماش ازاء العالم الخارجي حتى التفاني والتحوّل إلى رماد. وقوقعة العزلة لن تتحطم إلا حين يتصاعد الصراع فيغدو تطاحناً حتى الموت في مواجهة الاغتراب عن الطبيعة والآخرين والذات. إن تهشّم القوقعة لا يحدث إلا في حالة واحدة فحسب؛ حين يغدو بداخلها كائن آخر مختلف كيفياً عن سابقه، كائن نجح، ولو لمرة واحدة، في أن يحدق متجرداً في وجه اغترابه.نبذة الناشر:لقد أشار الكاتب الكوبيّ أليخو كاربنتيه إلى أنّ الخيال الجامح في الرواية الأمريكيّة والإسبانيّة المعاصرة يرجع إلى محافظة الروائيّين على مفردات كانت متداولة في إسبانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وقد تمثل ذلك في أدب سرفانتس وفي روايات المغامرة والتشرّد الإسبانيّة.
وبتقاليد أدبيّة عميقة انطلق الكاتب الكولومبيّ غابرييل غارسيا ماركيز، مستفيداً من أحداث ومنجزات الرواية المعاصرة، ليشيد صرح عالم روائيّ يجذب نظر المرء بمختلف ضروب جماليّات العمل الفنيّ الذي يتجلّى بزخر الأبنية والعلاقات الّتي تربط بين جزئيّاته.
من هنا، برز حرص ماركيز على تجاوز الحضور التجريبيّ البارد منطلقاً إلى عالم آخر، منفلتاً من عقاله، متدفقاً كالرعب.
إنّ هذا الحرص يتمثل في سلسلة الإنتقالات الزمنيّة أو القفزات الهشّة الوانية حيناً والمتدفّقة بوحشيّة أحياناً أخرى إلى الأمام وإلى الوراء متنبئاً بالمستقبل في رجفة الإنتظار، تستديم الماضي في غيبوبة كالإسترخاء، تتلاعب بعجلة الزمن حجباً واستحضاراً كي تبرز اللحظات الحاسمة في حياة الفرد والجماعة، وفي كثير من الأحيان اللحظات القاتلة الّتي كفّت فيها الحياة عن أن تكون إلاّ رحيلاً في الرماد. إقرأ المزيد