تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: المجمع الثقافي
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:يستمدهذا الكتاب أهميته من عناصر عديدة، نعتقد أن أهمها يمكن اختصاره في أربعة أبعاد واضحة، وصريحة ومحددة، فمؤلف الكتاب رجل يستحق عن جدارة التوقف عنده طويلاً، ثم هناك طبيعة الموضوع الذي يتصدى الكتاب لمناقشته، ويؤطر السياق الذي يصل فيه هذا الكتاب إلى أيدينا أهمية البعدين الأول والثاني، لنجد أنفسنا ...أمام البعد الرابع وهو تصور آفاق العلاقات العربية اليابانية، وبصفة خاصة على المستوى الثقافي.
لكن من هو إينازو نيتوبي الذي يحمل هذا الكتاب اسمه؟ من المحزن، ابتداء، أنك لن تجد مصدراً ولا مرجعاً عربياً واحداً يقدم لك الحد الأدنى من التعريف بمؤلف هذا الكتاب، ولا شك في أن ذلك يلقى ضوءاً دالاً على الحالة المحزنة للوضعية الراهنة للتثاقف العربي الياباني.
إننا أمام شخصية شديدة الثراء، متعددة الجوانب، تشير بوضوح إلى الجهود الهائلة التي بذلها جيل من الرواد في تجربة التحديث اليابانية الأولى، والتي كفلت انطلاق بلادهم في حركة تنمية رائدة، في غضون حياة جيل واحد، للوصول إلى نتائج تحسدهم عليها بلاد كثيرة، على امتداد العالم على الرغم مما شابها من سلبيات.
تمتد حياة إينازو تيتوبي من عام 1862 إلى 1933، حيث ولد هذا المربي والمفسر الثقافي والأستاذ الجامعي والدبلوماسي في موريوكا، ودرس الاقتصاد الزراعي في كلية سابورو الجديدة، وهي الآن إحدى الكليات العريقة في جامعة هوكايدو. وما لبث أن اعتنق المسيحية والتحق في بجامعة طوكيو للمزيد من دراسة الأدب الإنجليزي والاقتصادي.
تطلع نيتوبي إلى سقف طموح عال، يتمثل في أن يصبح بمثابة جسر يمتد بين اليابان والغرب، ويتيح لبني وطنه أن ينهلوا من أحدث المعارف الغربية وتطبيقاتها العملية والتقنية.
هذا الطموح الكبير كان هو نفسه الذي دفع نيتوبي إلى مغادرة اليابان في 1884، حيث أمضى ثلاث سنوات في الدراسة بالولايات المتحدة ومثلها في ألمانيا للغرض نفسه، وأكمل ثمانية عشر عاماً من الغياب عن اليابان في أوروبا والصين وجنوب شرق آسيا.
عندما عاد إلى اليابان في 1906، شغل مناصب عدة حيث عمل ناظراً لأول مدرسة ثانوية في طوكيو خلال السنوات من 1906 إلى 1913، وانتقل للعمل أستاذاً للسياسة الاستيطانية بجامعة طوكيو، إضافة إلى مناصب عدة في وزارة المستعمرات اليابانية.
شهد نيتوبى مؤتمر السلام الذي عقد في فرساي، وبقي في جنيف موفداً لبلاده لدى عصبة الأمم ثم مساعداً لأمينها العام في 1926، وغدا رئيساً لمجلس اليابان بمعهد علاقات المحيط الهادي، ورحل عن عالمنا خلال بعثة دبلوماسية إلى كندا، تاركاً وراءه العديد من المؤلفات التي جعلته أشهر كاتب ياباتي في الغرب خلال حياته وبصفة خاصة كتاب بعنوان "شايو" أي "تربية الذات".
هذا هو الرجل، فماذا عن كتابه؟ ولماذا لا يزال ماثلاً ملء البصر والسمع بعدما يزيد عن قرن على تأليفه؟ ولماذا يثير اهتمامنا اليوم مع أن المؤلف ذاته لا يتردد في التساؤل في نهاية الكتاب عما إذا كانت شمس البوشيدو قد آذنت بالمغيب، ويبدو واضحاً أنه يميل إلى الإجابة عن هذا التساؤل بما يفيد تأكيد هذا المغيب؟
ليس البوشيدو، الذي يرى فيه نيتوبى روح اليابان، إلا نسقاً أخلاقياً حكم سلوك طبقة المحاربين اليابانية على امتداد قرون، واتسع نطاقه ليغدو طريقة حياة بأكثر مما هو منها سلوك لشريحة اجتماعية محددة.
ومن دون التطرق إلى تفاصيل ضافية في مفهوم البوشيدو نلاحظ أن البوشيدو لا يتضمن الروح الحربية والمهارة في استخدام الأسلحة فحسب، وإنما الأهم من ذلك أنه يشمل الولاء المطلق من جانب المرء لمن يراه صاحب هذا الولاء، التفاني في أداء الواجب، والشجاعة إلى حد التضحية بالذات في غمار تحقيق مقتضيات هذا الولاء وتكانل عناصر أداء ذلك الواجب.
ومن المحقق أن المؤلف كان محقاً في استشرافه مغيب شمس البوشيدو، فعلى الرغم من أن مفاهيم هذا النسق الأخلاقي والعرف السلوكي واصلت التأثير في الذهنية اليابانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً. إلا أن تجربة التحديث اليابانية الثانية بعد الحرب واكبها انحسار في الالتزام بقيم البوشيدو وأعرافه، باستثناء جماعات محدودة، ولم يقدر لمحاولات إحيائه أن تحظى بنجاح يذكر على نحو ما يظهر في محاولة الكاتب يكيو ميشيما، التي انتهت نظرياً وعملياً بانتحاره بطريقة السيبوكو التقليدية في نوفمبر 1970.
مع ذلك. فإن هذا المغيب للبوشيدو ما كان يمكن أن يكون كليأً ولا شاملاً، وإنما هو لا يزال يفرض حضوره وتجلياته في العديد من السلوكيات والمواقف والأساليب والتصرفات، ليس في اليابان وحدها، وإنما في العديد من أرجاء آسيا، بل والغرب كذلك.
ربما كان من سوء الطالع حقاً أن البوشيدو لم يقدر له قط أن يحظى بالحد الأدنى من الوضوح في الذهن العربي، لا كنسق أخلاقي ولا كرؤية نظرية، ولا كتجليات للسلوك والمواقف. إقرأ المزيد