حي بن يقظان ؛ النصوص الأربعة ومبدعوها
(5)    
المرتبة: 87,539
تاريخ النشر: 01/01/2013
الناشر: دار مدارك للنشر
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:لم يتصل تراث أمة من الأمم، كما اتصل تراث الأمة العربية الإسلامية، فقد كانت الحضارات حيناً من الدهر ثمّ ولّت، أو توّلت ثقافتها، أو تبدلت لغتها، ولم يمتد منها طيلة ألف عام متصلة، إلا أقلّ القليل.. ومن هذا القليل الأقل: الحضارة العربية الإسلامية التي ظلّت حيّة، متواصلة الثقافة واللغة ...طوال أربعة عشر قرناً من الزمان، مرّت فيها بفترات ضعفٍ و أيام قوة، وشهدت فيها مالا حصر له من وقائع الزمان وتغلبات السلطان، وبقيت على الرغم من هذا كله، ذات سمات خاصة، وشخصية متميزة. وظهر التواصل الحضاري في العديد من مظاهر التاريخ العربي الاسلامي، مثل مظاهر التواصل في العلوم الدينية، كما وبقية الفنون والمعارف الإسلامية. فقد كان الأدب ميداناً للتواصل التراثي؛ فتوالت الأعمال الأدبية عبر تاريخ الإسلام، ففي الأدب القصصي.. الفلسفي بالذات، تواصل فكر لبمسلمين عبر مئات السنين، فكان من شواهد هذا التواصل؛ عشرات من القصص الفلسفي، من بينها رسائل الطير، ورسائل العشق..
ومن بينها فصة حيّ بن يقظان التي صيغت على يد أربعة من أعلام الإسلام، أربع صياغات؛ فكتبها ابن سينا، والسهروردمي، وابن طفيل، وابن النفيس. وفي فصول هذه الدراسة، التي تضمنها هذا الكتاب، يتتبع يوسف زيدان، المبدعين الأربعة هؤلاء، متابعاً ابداعاتهم للقصة والمرامي البعيدة التي لوّحوا بها، أو أشارو إليها. على سبيل المثال، يستهل يوسف زيدان هذه المجموعة بالقصة التي كتبها ابن سينا، وذلك بعد أن يقدم نبذة عن حياته وأعماله وأحواله. منتقلاً من ثم للحديث عن قصته التي كتبها، والتي، وكما يذكر، أن ابن سينا كتبها لتكون واحدة من أروع نصوص الأدب العربي القديم بلاغة، وأكثرها تكثيفاً وطلاوة أسلوب.
مبيّناً أنّ في هذه القصة، يحكي ابن سينا رحلة العقل الإنساني إلى الملكوت الأعلى، من خلال شخصية حيّ الذي يرمز به إلى النوع الإنساني، وهو إبن يقظان، أي العقل اليقظ في الإنسان.. وفي بداية القصة يحكي ابن سينا كيف التقى بهذا الشيخ البهي، الذي عرّفه بنفسه قائلاً: أمّا اسمي ونسبي فحيّ ابن يقظان، وأمّا بلدي فمدينة بيت المقدس، وأما حرفتي فالسياحة في أقطار العوالم، حتى أحطت بها خبراً.
ثم يترك ابن سينا (الراوي) خيط الرواية لحيّ بن يقظان، ليتحدث (وقد صار هو الرواية) بحديث الحكمة التي يريد ابن سينا التعبير عنها في هذا الشكل الروائي القصصي.. فيمضي حيّ الذي هو المعادل الموضوعي لابن سينا نفسه، فيقول: حولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك، إنّهم لرفقة سوء، ولن تكاد تسلم منهم.. هذا الذي أمامك باهتٌ مهذار يلفّق الباطل تلفيقاً.. وهذا الذي عن يمينك أصوج إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح... وهذا الذي عن يسارك قذرٌ، شَرِهٌ قرمٌ شبقٌ، لا يملأ بطنه إلّا التراب.. ولقد أُلْصِقتَ يا مسكين بهؤلاء الصامَاَ.
هنا يحاول الكاتب تحليل ما توفر إليه هذه الشخصيات التي حكى عنها ابن سينا على لسان حيّ، مبيناً بأن المقصود هنا يرفقه السوء، قوى الإنسان.. ففي الإنسان قوة الخيال والوهم التي وضعها حيّ بن يقظان بالباهث المهذار الملفّق، وفي الإنسان قوة الغضب، التي هي ذلك الأصوج الذي لا يقمعه عند هياجه نصحٌ، وفي الإنسان قوة الشهوة الحسّية، الداعية الى تحصيل اللذائذ البهيمية دون شبع، وهي في القصة: القذر، الشره، القرم، الشبق. ثم يقول حيّ للإنسان: لقد أُلصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقاً، لا يبرئك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم، وإذلات حين تكون حين تلك القربة...
وهنا يوضح الكاتب بأن ابن سينا يريد أن يقول على لسان راوي القصة، حيّ بن يقظان، أنّ الإنسان متلاشى الرغبات والنوازع النفسية تحت سطوة النور الإلهي، وتبقى الروح معلّقة بالجانب الإلهي وحده، وهذا ما أشار إليه بقوله غربة، وهي اللفظة التي سيجعلها السهروردي عنواناً لقصته التي عارض بها قصة ابن سينا، واستكمهها، جاعلاً قصة حيّ بن يقظان هذه المرة بعنوان: "قصة الغربة الغريبة" [...]
وهكذا يمضي يوسف زيدان في متابعته وتتبعه لهؤلاء المبدعين الأربعة متابعاً ابداعات كل واحد منهم ابداعاته الرمزية والفلسفية والادبية التي جعلت بها قصة حيّ بن يقظان لدى أعلام الاسلام الأربعة هؤلاء: ابن سينا، والسهرورد، وابن طفيل وابن النفيس. إقرأ المزيد