تاريخ النشر: 01/07/2002
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:المدرسة...
"بعدما قدّمه الدفلى كسكران بحبره، واعتلى المنبر والكلّ يحدّق، ويصفق، بدأ الطيون في إلقاء شعره. كان في الصف الأمامي التراب، وإلى جانبه شاعرة الأرض العريشة، جالساً خلفهما الدردار والنعناع والزوفى، وذوري عتيق لم ريشه. مصغياً آناً، وآناً مرسلاً عينيه في السقف الذي انهار، فظنّ الزرقة السقف تدلى الجوز واللوز ...وحبات الزبيب السود منها. في سلال من سحاب. ضيقاً كان المكان. فالشبابيك عليها حبق أو بيلسان. والممرات كساها العشب. والأبواب غصت بالعصافير. وظل الخوخ، والحور، وزيتون الحفافي، خارج القاعة. واختارت لها كرسي صفصاف مياه الساقية. والكراسي الباقية، جلس التوت عليها، وعروس الزرع، والنرجس، والورد المروّى بالندى، والأقحوان. واستوى العلّيق في صمت كشيخ الزاوية. وعلى بعض الحجارة ذهبياً كسوار، وقف القمح الذي قامته الصفراء في طول عباره، كتبت فوق جدار. كانت القاعة بيتاً هدمته العاصفة، وهي ترمي غيمها ذات شتاء. لم تزل جدرانه بعد سقوط الباب والسقف عجوزاً واقفه، حملت جرّة ماء، فغدا كل مساء قاعة للشعراء. أحضر الطيون فيها، ومعي أمي التي قد سجلتني منذ ما صرت بطول القمح في مدرسة الأرض، كتابي كل حقل في القرى، محبرتي النبع، وأقلامي القصب. دفعت قسطي عروسي عسل، حبل غسيل، وانتظاراً عند باب البيت، طاقية صيف، ماء بئر لثيابي، صندلاً أحمر شعبياً، ولوزاً، وعنب. علقت من فمها أيقونة في عنقي، ثم مضت قامة دمع تُوِّجَتْ كالشعر المهجور في السهل بإكليل الكآبة. وإذا مدرسة الأرض طباشير من التوت، شبابيك من الشيح، سقوف لونت زرقاء بيضاء كمنديل لأمي، غرف خضراء لا لوح على حائطها إلا الحفافي، ناظر يأتي ويمضي هادئاً كل يوم، تدخل الحورة صف الحزن، صفراء العباءة. يدخل البلبل صف الصبح مبتلاً بألحان الطواحين. نسيم ذو عباءات عليها نرجس، يدخل ملتفّاً بها صف القراءة. كل يوم، تدخل الصفصافة الكوفية الأوراق صف الماء، تبري غصنها في موجه حتى أخذت البري عنها، وتعلمت الكتابة. دفتري مثل سماء لون أيلول عليها ويدي مثل سحابه. كنت في صف الصنوبر، أطعم النار التي تغفو سقيمة، في سرير من حصى أو أحجر قشّاً، لكي تشفى وتكبر. تذكر، كيف دفلي النهر مدعوون للعرس، وكيف الطير فوق الشجر العالي مغنون، وكيف الموج في مجرى الحصى مائدة قد زرع الصيف عليها البقع الصفراء للشمس صحوناً ملئت بالزبد المفتوت حتى أصبحا لنهر وليمه، كان حور الماء فيها أزمنياً حاملاً آلة تصوير من الغيم قديمه، وأنا بين عروسين: فراش أبيض الثوب، وزعتر، أتصور".
احتفائية شعرية في جوّ الطبيعة المهيب، يحسه القارئ، يندمج فيه، ويتلاشى في عملية تماهي مع الطبيعة من خلال عبارات تصويرية رائعة يمتزج فيها المشهد والمعنى ويتحركا ضمن إطار انسكاب لغوي تتسلل من كلماته موسيقى تحلق معها النفس إلى أجواء ترتقي بها إلى صفاء روحاني مجتازة عالم الجسد في خطوة على عتبات اتحاد بالكون رائع. هو ذا القارئ لشعر جوزف حرب، في ديوانيه "قميص الوزال قبعتي العصافير" و"كتاب الدمع"، وذاك هو شعر جوزف حرب ترنيمات نفس متأملة في عالم الطبيعة الرحيب. إقرأ المزيد