المرأة المثقفة في الرواية العربية ؛ انتحال الذكورة وتحرير الجسد
تاريخ النشر: 16/12/2025
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
نبذة الناشر:كيف يرسم الروائيون والروائيات العرب صور المرأة المثقفة في أعمالهم الروائية؟
في خطاب الروائي تبدو صفة المثقف منجزًا ذهنيًا رجاليا صرفًا. أما المثقفة فكأنها ليست أكثر من نتوءٍ مستحدث في الجسد الاجتماعي الذي استكمل الروائي دوائر منظومته وأغلقها. وهو، على ذلك، يُنشئ للمثقفة صورًا تناسبه: يحفّزها ويدفعها إلى التعلُّم والعمل ...والاستقلال الاقتصادي، فتعتنق أفكارًا تحرّرية، وتتبنى سلوكًا حديثًا متمردًا على المجتمع التقليدي. لكن حالما تندفع ملبيةً نداء الوعي، يعمدُ الروائي إلى تهشيمِها، وإما يُحجِّبها أو يقنِّعها ويُحِّل الرجل في عباءتها، بأعتباره الأصل. كأن لا حضور ولا تناسل للمثقفة من دونه.
ذلك أن الروائي يخضعها لوعيه الذكوري، بناءً على المعادلة التالية: المرأة التي تمتلك أو تكتسب عقلًا سليمًا، يجب أن يُدنَّس جسدُها، ويُعاقَب بالانتهاك والتبخيس. لذا تتقهقر المثقفات، بطلات الروائيين، إلى كياناتهن السابقة المستلبة، وإما تندفعن إلى نهايات مأساوية. كأن ما رتّبته الذكورة من أوضاع ومكتسبات للرجل، تحمل الروائيين بوعيهم ولا وعيهم على التحوّط، حرصًا منهم على تلك المكتسبات وعدم خسارتها. وهكذا يكررون جدلية المدّنس والمقدس، العميقة الجذور في الوعي الجمعي الذي يصِم المرأة بأنها "ناقصةُ عقلٍ ودين".
على ضفة الروائيات تُظهِر شخصية المثقفة أن الروائية على بيّنة من الفروق الجندرية والجنوسية بينها وبين الروائي.
فالروائية تنظر إلى الكتابة وتباشرها كفعل ذاتي، وتتخذها منبرًا للتعبير بعد طول احتجاب. وهي تدرك بوعي المثقفة الناقد أن كيان الأنثى هو إحالة اجتماعية مختزلة في جسدها، بوصفه معطىً ثقافيًا تحدده العادات والتقاليد، ومعطىً جنسيًا تحدده تصورات ورغبات واشتهاءات الذكورة.
لذا يَظهر النص الروائي النسائي على وعي متجدِّد بالجسد الأنثوي، وجوديًا وجماليًا. وعيٌ متجدد لأن الروائيات يُعِدن الجسد إلى بكارة خَلْقِه الأولى، قبل أن يتخلّق اجتماعيا ويتسربل بأبوية جاهزة. وهكذا يصير في نصوص الروائيات نقيضًا لصوره في الخطاب الروائي الرجالي أو الذكوري.
وإذ تصوّب الروائيات مكانة الجسد الأنثوي، وتخرجنه من دائرة التصورات الذكورية: يغادر معادلة التقديس والتدنيس. تصير رغباته محترمة. لا يثير الخجل والريبة والخوف، باعتباره محظورًا ومحرّمًا.
وفي السياق تطرق الروائيات محظورًا آخر: مؤسسة الدين. فرواياتهن تكشف زوايا التناقض بين تعاليمها وأحكامها، والتفرقة الحدِّيّة غير العادلة التي تقيمها تلك المؤسسة بين النساء والرجال، وتمنح الذكور امتيازات كثيرة عليهن.
لذلك فإن روايات معظمهن تبدو وكأنها سرد لمذكرات ذاتية، أو مشاهدات خاصة. وقد صورن المثقفة على مقاس رغبتهن في التحرر والتمرد على التقاليد الاجتماعية. كما صورنها على قطيعة مع تاريخ الحجب والتهميش، وخصوصًا حجب كينونتها وأفكارها ورغباتها الروحية والجسدية.
وركزت الروائيات على الجسد الأنثوي: احترام رغباته. عدم الخجل منه، باعتباره محظورًا ومحرمًا. وطرقت الروائيات محظورًا آخر: الدين. فركزن على أن تكشف رواياتهن زوايا التناقض في بعض تعاليمه وأحكامه. وعلى التفرقة الحدية التي يقيمها بين النساء والرجال ومنحت الذكور امتيازات كثيرة على النساء. إقرأ المزيد