القضاء والقدر وأفعال الإنسان الإختيارية
(0)    
المرتبة: 190,069
تاريخ النشر: 01/05/2002
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:يدرج العديد من الباحثين "الإيمان بالقدر خيره وشره" في عداد أركان الإيمان وشُعبه، وقد ثار في النصف الثاني من القرن الأول الهجري جدال حادّ حول معنى القضاء والقدر، وخصوصياته وما يرتبط به واستفحل الأمور حتى باتت هذه المسألة تشكل الحدّ الفاصل بين فريقين كلاميّين كبيرين من أهل السنة، دارت ...بينهما نقاشات ومناظرات حادة في عدد من مسائل الفكر والعقيدة، وتراشقوا بالعديد من الاتهامات وعبارات التكفير، هذان الفريقان هما الأشاعرة والمعتزلة. ولم تبق السياسة والسياسيون على الحياد في هذا النزاع آنذاك، بل استُغِل من قبلهم أسوأ الاستغلال. وغذّي بالطريقة التي كانت تخدم مصالح وأطماع الحكام المتسلطين. ولعل المنشأ الأساس في هذا النزاع العقائدي يرجع إلى نقطتين لم يهتد المتنازعون إلى التوفيق بينهما، النقطة الأولى: أن كل إنسان يدرك بالوجدان وبالبداهة أنه يمتلك حيّزاً من الحريّة وحدوداً من السيطرة على أفعاله، وتحديد مصيره بنفسه؛ النقطة الثانية: أن صريح الكثير من النصوص القرآنية والحديثية أن سعة دائرة السلطة الرّبانية والملك والهيمنة الإلهية عامة وشاملة بحيث إنها لا يشذ عنها شيء ولا يفوتها صغير ولا كبير. وهو مقتضى التوحيد الخالص، الذي يعني نفي كل حاكم وكل متسلط وكل مهيمن وكل مؤثّر سواه تعالى. وهذا يعني أن الإنسان وغير الإنسان من المخلوقات لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، واستنتجوا من ذلك أنه ضعيف مكره، مقهور مجبور، يتحرك ويعمل ضمن الدائرة التي رسمت له فهو لا يملك من أمره شيئاً.
وقد صوّرت مسألة القضاء والقدر بهذه الطريقة واعتبرت أنها تنتج النقطة الثانية، وتتنافى مع النقطة الأولى، وأدى ذلك إلى تمسك كل فريق بجانب من الحقيقة والتشنيع على الفريق الآخر، بينما اعتبر الشيعة الإمامية تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام أن القضاء والقدر لا يتعارض مع الاختيار ومع حرية الإنسان في دائرة معيّنة، يتمكن خلالها من تعيين مصيره دون أن يخل ذلك بالأصل الثاني وهو سلطة الخالق الكاملة، وقد حلّوا المشكلة الكلاميّة القديمة عن طريق رفع التناقض المزعوم بين النقطتين المتقدمتين، ولا شك أن هذه المسألة لها أهميتها الكبيرة، لخطورة الآثار المترتبة على كيفية فهمها والالتزام بها، ولشدة الاضطراب والخبطة في بحثها.
ومن الجدير بالإشارة أن المسألة كانت ولا زالت موضع اهتمام الفلاسفة القدماء والمتأخرين، وتراوحت مذاهبهم فيها بين مذهب الجبر ومذهب الحرية، وعليه فالمتكلمون المسلمون لم يكونوا أوّل من خاض غمار البحث في القضاء والقدر وحرية الإنسان، في هذا البحث المختصر سيحاول المؤلف إلقاء الضوء على معنى القضاء والقدر، وحقيقة النزاع القائم، ورأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذه المسألة، بعيداً عن التعقيد والاصطلاحات الفلسفية. إقرأ المزيد