تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث ؛ شربل داغر نموذجاً
(0)    
المرتبة: 199,808
تاريخ النشر: 01/06/2022
الناشر: منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف
نبذة الناشر:نسعى في هذا الكتاب إلى تقديم مشروع مقاربة جديدة لتلقي النص الشعري بشكل جديدٍ ومختلفٍ لإنتاج قراءة معرفيّة جديدة، لموضوع "تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث". فقد حملت الحداثة معنىً جديدًا في تجديد الشعر وتطوُّره وانفتاحه على الفنون وعلى شعريّات العالم، زمن الانفتاح والتلاقح الثقافي بين الحضارات العالميّة، عبْر ...ثقافة شعريّة وفنيّة متفاعلة مع الشعر العالمي. وهذه الدراسة مغامرة قراءة جديدة موَسّعة للشعر العربي الحديث. مُغامرةٌ في المجهول لاكتشاف العوالم المتشابكة بين الشعر والفن، بين فنّيْن مختلفيْن متجاوريْن. فالشعر العربي الحديث نبعُ الفنون التشكيليّة، والمسرحيّة، والموسيقيّة، والسينمائيّة وغيرها.
لا نكاد نجد دراسة مستقلة شاملة لموضوع "تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث". فما يميّز هذه الدراسة هو تداخل الحقول المعرفيّة. لأنّ الخطاب الشعري الحديث ينهل من مختلف حقول المعرفة، ومنفتحٌ على مختلف أنماط الفنون المجاورة. وقد استثمرنا في هذه الدراسة المعطيات المعرفيّة الشعريّة، واللسانيّة، والبلاغيّة، والفلسفيّة. بالإضافة إلى المعطيات الفنيّة التشكيليّة، والموسيقيّة، والمسرحيّة، والسينمائيّة.
ونقترح أنموذجًا لقراءة شعريّة موَسّعة لا تقدّم الأجوبة ولكنها تثير العديد من الأسئلة والتساؤلات، بل وتُؤسّس لنوع من ثقافة التساؤل في الشعر العربي الحديث. فالتساؤل مفتاحٌ لفَتح آفاق جديدة في المعرفة. فقد أشرنا غير ما مرة في دراساتنا السابقة إلى أنّ الفرق بين "السؤال" و"التساؤل" هو أن السؤال يأتي رغبة في العلم، ويرد في صيغ استفهامية مختلفة ومتعلّقة بالبحث عن جوابٍ لمعلومة معينة، بينما التساؤل يتعلّق بقضية غير منتهية وتقتضي المزيد من البحث والدراسة.
والتساؤل في حدّ ذاته قد تتولّد عنه تساؤلات جديدة. فهو يشمل كل المعارف الإنسانيّة بما فيها المعرفة الشعريّة. إنه سفرٌ في المجهول واللانهائي.
ودراسة تواشجات الشعري والفني أوّل دراسة موسّعة في الشعر العربي الحديث، تدعو الأدباء والفنّانين للجلوس حول طاولة واحدة جنبًا إلى جنب، في لقاء يجمع بين الشعر، والكلمة، والتصوير، واللون لتتبُّع القصيدة في رحلاتها الشعريّة والفنّيّة عبر العالم، من خلال حوارات مع شعراء وأدباء، وفنّانين على مستوى التشكيل، والمسرح، والسينما، والموسيقى من مختلف الأقطار والبلدان، للنظر في مدى قدرة كلّ من الشعر والفن على التلاقي والتفاعل والحوار. هذا التفاعل الخلاّق بين اللغوي والبصري، موضوعٌ تشترك فيه عدة معارف وثقافات.
إنّ عِناق الشعر والفن مبنيٌّ على التواشج والتجاور لا التباعد في نطاق الانفتاح الشعري الثقافي، الذي تعرفه القصيدة في العصر الحديث، ضمن مشروعٍ ثقافيٍّ منفتحٍ على مشاريع اشتغال مستقبليّة، سعيًا منّا إلى فتح النقد الشعري الحديث على آفاق جديدة في القراءة والتأويل. وقد انطلقنا في هذه الدراسة من سؤال معرفي هو: كيف نقرأ الشعر العربي الحديث من خلال أسئلة مختلفة والخروج من الدراسات المستهلَكة؟
إنّ تقديم قراءة مُنفتحة على الفنون وعلى شعريّات العالم تسعى إلى تجديد الآليات المنهجيّة لتلقي النص الشعري وتحقيق تواصلٍ مختلفٍ بين المُبدع والمتلقي. فجمال الشعر لا يكتمل إلا في اختلافه وتنوّعه الخلاّق، لأن الشعر خلْقٌ وكشفٌ في كل حالات الاختلاف. ويكمُن سرّ النص الشعري في لغته وخصوصيتها وانزياحاتها. وفي ذلك تأسيسٌ للقراءات المتعددة للبحث عن المعنى. وهو ما يدعو القارئ إلى التأمل والاكتشاف.
إنّ القراءات تتنوّع وتختلف بتنوّع القُرّاء. فالقراءة الشعريّة معرفة وسفرٌ في الخيال. والقراءة المتجدّدة تتطلب الكثير من الصبر والاجتهاد. وتختلف أساليب المقرابة من متلقي لآخر. والنص الشعري يتجاوز مبدعه، كما يتجاوز قارئه، لأنه نصٌّ لازمني، يأتي من المستقبل.
ونظرًا لشساعة الموضوع فقد عملنا على جمع مصادره ومراجعه على مدى سنوات. كما استغرق الكتاب سنوات وسنوات من العمل. فدراسة تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث يقتضي ثقافة معرفيّة شعريّة وثقافة معرفيّة فنيّة، لذلك تطلّب منّا هذا العمل التعمّق في دراسة الفن لمدة سنتيْن. وقد استأنسنا بالعديد من المراجع، وهي مراجع لا تُلزمنا باتباع خُطة محددة في دراسة الشعر. وتبنّينا شعريّة الانفتاح في الشعر العربي الحديث بتقديم دراسة نسقيّة تنبني على نظريّة الأنساق كنظريّة متكاملة متناسقة. وقد تناولنا بعض المكتسبات المعرفيّة والمنهاجيّة بالاعتماد على نظريّة محمد مفتاح في كتابه "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية. اللغة-الموسيقى-الحركة". وخاصة التواشجات النسقيّة في تناول النص الشعري وعلاقته بالفنون المجاورة باستثمار المكتسبات المعرفيّة والمنهاجيّة، وتَناوُل النص الشعري بطريقة نسقيّة من خلال علاقة التجاور، والتواشج، والتداخل، والحوار أو "التفان" بتعبير محمد مفتاح. فهذه المصطلحات تنسجم والإطار المنهجي لهذه الدراسة.
ويأتي هذا الكتاب بعد خلاصة تجربة بالتحصيل والبحث لأكثر من عشرين سنة، وبعد أربعة كتبٍ معرفيّةٍ أكاديميّة في الشعر العربي:
"الشعر المنثور والتحديث الشعري"، و"الكتابة والأجناس. شعريّة الانفتاح في الشعر العربي الحديث"، و"الشعر وأنسنة العالم"، و"الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونيّة". فقد توصلنا إلى أنّ بناء الخطاب الشعري الحديث يثير العديد من الأسئلة المعرفيّة، منها ما يتعلّق باللغة، ومنها ما يتعلّق بالمعارف النّظريّة وما تقتضيه مسألة التحديث الشعري. وقد عرف الشعر الحديث والمعاصر انفتاحًا على الفنون وعلى شعريّات العالم، لِما عرفته القصيدة العربيّة من التغيّرات والتّبدّلات الفنّيّة والجماليّة. فالكثير من الشعراء استوحوا أفكار لوحاتهم من الشعر، كما استوحى العديد من الفنانين قصائدهم من لوحات تشكيليّة. ما يعني أن هناك علاقة جدليّة تجاوريّة بين الشعر والفن. إنّ القراءة سفرٌ مع القصيدة إلى عوالمها اللانهائيّة. سفرٌ بين المبدع والقارئ الذي يتفاعل مع النص، ويستقبل صوَره الشعريّة الفنيّة والذهنيّة. فعبْر القراءة تُواصل القصيدة حياتها، وسفرها، وعبورها إلى ضفاف الحوار الكوني. ما يستدعي وعيًا نقديًا جديدًا على مستوى التلقي، بعد أن أصبحت القصيدة في زمننا بصريّة تحلّ فيها العين أكثر من الأنا. إقرأ المزيد