الجدل الإسلامي المسيحي في القرن الثالث الهجري
(0)    
المرتبة: 40,040
تاريخ النشر: 01/01/2022
الناشر: دار المدار الإسلامي
نبذة نيل وفرات:المصنّف علي بن سهل ( ربّن الطبري ) ( حوالي 155 – 240 ه / 770 – 855 م ) طبيب ولاهوتي مسيحي . وعلى الرغم من غزارة المعلومات المتوافرة عنه ، يمكن القول أنّه من شخصيات القرن التاسع الميلادي في العالم الإسلامي ، التي تميّزت بقدرٍ كبير من ...الحيوية . فقد وُلد في أسرة مسيحية في شمال إيران ، ( ومُنِح أبوه ، اعترافاً بعلمه لقب ربّن Rabban السرياني ، الذي كثيراً ما يُساء فهمه فيُخلط بينه وبين لقب ربّان Rabban اليهودي ) ، وأمضى السنوات الأولى من شبابه كاتباً لحاكم طبرستان المسلم . وبعد أن أُعدمَ هذا الحاكم عقب محاولة إنقلاب على الخليفة ، انتقل إلى خدمة الخليفة المعتصم ، وتولى عمل الكاتب لسلسلة من الخلفاء . ومن الواضح أنّه كسب ثقتهم ومودّتهم ، بآية إتخاذ الخليفة المتوكل إيّاه نديماً له . وطوال تلك المدة كان يمارس الطب . وعُرف عن كتابه " فردوس الحكمة " أنّه كتاب شامل في الطب ، وأنّه كان ثمّة نسخة منه لدى المؤرّخ العظيم أبي جعفر الطبري الذي كان أحد تلاميذ علي . ويبدو أنّ عليّاً قد ظلّ مسيحياً طوال مدة خدمته عند الخلفاء . أما دخوله في الإسلام فقد كان ، على ما أخبرنا به هو نفسه ، عند بلوغه سبعين عاماً . وبعد أعوام قليلة على هذا التحوّل الخطير ، ألّف كتابه " الردّ على النصارى " الذي يمثّل رجوعاً عن عقيدته السابقة ، وإثباتاً للتعارضات التي بين تعاليم الإنجيل والعقائد النصرانية . وبعد هذا الكتاب ألّف لاحقاً كتابه " الدين والدولة " وهي الكتب الأولى التي وصلت إلينا في موضوع إثبات نبوّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو كتاب مميّز ، لأنّه لا يكتفي بإيراد أخبار عن النبي وصحابته مستمدة من المصادر الإسلامية في سبيل تأييد حججه ؛ بل يحلّل أيضاً ما يزيد على مئة نصّ من نصوص الكتاب المقدس لإثبات أن مجيء الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قد تنبّأ به كتاب اليهود والنصارى المقدس ( التوراة والإنجيل ) ممّا يدعو على القول أنّه هذا الكتاب يُعدّ إنجازاً مميّزاً كان له أثره في كتب الردود الإسلامية اللاحقة ، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يشتمل على نصّي كتابي علي بن ربّن الطبري " الرد على النصارى " ، و " الدين والدولة في إثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم " ، محقّقين ، وترجع أهمية ذلك في كون هذين النصّين المحقّقين يستندان إلى كل المخطوطات المعروفة لهما ، وقد تمّ إغناءها بمقدمات ، تضع الكتابين في سياقهما التاريخي والديني . أضف إلى ذلك عملية تلك الترجمة للمصنّف علي بن ربّن . هذا ، يمكن القول أن لمقاربة علي بن ربّن لموضوع مجادلة المسيحيين خمس ميزات أو خصائص ، من حيث المستندات والمنهج والتطبيق ، فهو يرجع ( أي المؤلف علي بن ربّن الطبري ) أولاً وبالتفصيل إلى نصوص العهدين القديم والجديد واقتباساته عالية الدقة غالباً ، وأن العربية التي يقتبسها من العهدين ، وبخاصة العهد الجديد ، عالية الفصاحة ، وبذلك فهو يتميّز منهجياً بمعرفة المصادر ، وبالإعتماد عليها في ردوده وحجاجه . أما الخصيصة الثانية فقد تجلّت بتركيزه على موضوعات رئيسة بوصفها القاضية ، كاستحالة الألوهية على المسيح بالنظر إلى السمات البشرية التي توردها الأناجيل لشخصه من الولادة إلى الصلب ، ودائماً بالإتكال على نصوص الأناجيل . والموضوع الثاني : إستحالة الجمع بين الوحدانية والتثليث ، لأن الإبن بحسب هذا الإعتقاد مثل الأب إله ، وكذلك الروح القدس . فليس صحيحاً عدّ الأقانيم بمنزلة الصفات لله لدى المسلمين ، لأنّها ذوات مستقلة . والموضوع الثالث الرئيس ( أي الخصيصة الثالثة ) إبطال مسائل الصلب والفداء والقيام تارة بالتركيز على الإختلافات بين الأناصيل ، وطوراً بإيراد آراء الإنشقاقيين والأناجيل منحوتة ، وطوراً ثالثاً بالذهاب إلى أنّه ما كانت هناك حاجة من أجل خلاص البشرية إلى تعذيب مريم العذراء لسوء السمعة ، وتعذيب الطفل المعجزة من الولادة إلى الصلب . والموضوع الرابع الرئيس ( الخصيصة الرابعة ) : البشارات الكثيرة الواردة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في العهدين القديم والجديد ، وعلى لسان عدة أنبياء وآخرهم المسيح عليه السلام ، ثم ما يرد من إشارات في أقوال مسيحيين كبار . ثم ما أضاف إليه إبن ربّن من دفاع عن إعجاز اقرآن ؛ لاهوتيي المسيحيين في أيامه ما كانوا يعدّن القرآن معجزاً بناءً على فهم آخر المعجزات . والموضوع الخامس ( الخصيصة الخامسة ) : شدة التحريف التي تعانيه سائر أجزاء العهدين القديم والجديد وفي كل شيء من النسب إلى التاريخ إلى الأحداث إلى المعتقدات فإلى التصوّر الأخير للمسيح . نبذة الناشر:لأَثَرَيّ عليِّ بنِ ربَّن الطبريِّ الردُّ على النصارى والدينُ والدولةُ في إثبات نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم أهمّيّةٌ خاصّةٌ، إذ هما أوّلُ إنتاجٍ وصلَ إلينا في الجدل الإسلاميّ المسيحيّ من وضعٍ نصرانيٍّ نسطوريٍّ أسلَمَ، ومثَّلَ بكتاباته مرحلةٌ مهمّةٌ من المراحل المبكّرة التي مرَّ بها الفكرُ الإسلاميُّ في صلته بالمسيحيّة.
وقد أظهرَ في هذّينِ الكتابَينِ تمكُّناً من الجدل والتأريخ للمُعتقدات ومعرفةٌ بلغاتِ الكتب المقدَّسة كالسريانيَّة والآراميَّة والعبريَّة واليونانيَّة، ممّا جعلَ من كتابَيهِ في علم الأديان المُقارن مرجعَينِ أساسيَّينِ لكلِّ من حاولَ فهمَ النصوص التورانيَّة والإنجيليَّة من علماء المسلمينَ، مَن فسَّرَ منهُم القرآنَ الكريم كالفخر الرازيِّ وابن ظفرٍ الصقلِّيِّ، ومن ألَّفَ في الجدل الإسلاميِّ المسيحيَّ، من بداية القرن الثالث الهجريّ إلى نهاية القرن الثامن، كالعامريِّ والقاضي عبد الجبّارِ الهمذانيِّ وابنِ تيميَّة.
وحَظِيَتْ أَعمالُ الطبريِّ بإهتمامٍ كبيرٍ لدى طائفةٍ من الباحثينَ في العصر الحديث، ولا سيَّما المستشرقونَ منهم، إلّا أنَّها لم تكُن محظوظةً في الدرس العربيِّ المقارن للأديان، ومن هنا تأتي أهمِّيةُ نشرتنا لكتابَي الطبريِّ التي تصدَّرَتْها دراسةٌ مستفيضةٌ (فكريَّةٌ وتقنيَّةٌ) للمخطوطات والنشرات السابقة وعرضٌ نقديٌّ لكلِّ الدراسات الأعجميَّة عن عليِّ بنِ ربَّن الطبريِّ وكتابَيهِ، وقراءةٌ دقيقةٌ ومتفحّصةٌ للكتابَينِ يتتبُّع تأثيراتهما في جداليّات المسلمينَ اللاحقة المطبوعة والمخطوطة. إقرأ المزيد