تاريخ النشر: 20/01/2020
الناشر: دار أزمنة للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:" رحلة العين " كان يعمل على الأقمشة الصغيرة باللمس الخفيف خفة العنكبوت والتكوين المستمد من السراب ، وعاش هناك ، في قاع البحر ، ولكن قاع البحر امتلأ بأشياء من حطام السفن مركونة بغير انتظام الأسماك تمرّ بالأبراج ذات العين الواحدة ، وبالراسي ، وبالنباتات المائية تنمو ...من هياكل السفن ، كل ما يمكن أن يسقط من كيس جامع النفايات منتفخ طمره هانز في حطام سفينة الأمزجة المتكسرة ، الشظايا الضائعة من العوالم المتعذر استردادها . وكان الأخضر الذي غلّف الأشياء المكسورة هو أخضر العفن الفطري ، والنبيّ الذي غطّى المشاهد هو نبي الركود وبإدراكه أنه بالعين يجتاز المسافات ليصل إلى هذا الجانب الآخر من العالم ،ـكان يرسم دائماً عيناً بشرية صغيرة في الزاوية ، الباب السرّي لهربه إلى المناطق العميقة التي يجهلها سطح العيون . وكان ينفذ إلى العين كما ينفذ إلى المرآة ، فعبر جذورها قبل الولادة وبعد الممات ، وهناك يحد طبقات النور وأمواج الأمزجة الغارقة ، وخلايا الجمود والألم المتآكلة من صدأ الركود . وفوق ذلك على الدوام عاصفة ، عاصفة لا يعلم أحد من أين تأتي ، ولذلك كانت معجزات الجمال المجهضة في الماء يتهددها دائماً البرق الوشيك ، الإنفجار القريب . وكانت العين الصغيرة في زاوية الرسم مُنوّمة مغناطيسياً من الرعب ، عالم على وشك الزوال دوماً ، على حافة الكارثة المطلقة ، وفي البدء حين منع النهار ، كان المعبر عبر العين أملس ، فانسال هانز خارج غرفته وخلّف شقائه . وكان جسده ساكناً كأنه مخدّر والعين وحدها تحمله إلى كل مكان ، ساعة ، منزلقة ، مذيبة مشهداً لتُحل محله مشهداً آخر تدريجياً ، متغلغلة ، ولكن بعد بضع ساعات ماتت الألوان على رؤوس أصابعه ، وأصبحت العين التي في زاوية الرسم مزجّجة ثم عمياء تماماً ، ولم يعرف أبداً أكان جسده متنبهاً إلى الجوع النهم ، أم إلى برودة الغرفة التي تستره ، أم إلى البقع على جدرانه الأربعة ، أم إلى رخاوة بزّته الوحيدة المعلقة على المشجب ، فراغ جيوبه الممزقة ، الغبار على الجوانب ، أم إلى صوت البواب على الطبقة .. ولكن العين أغمضت ، ثم أبحر متنقلاً ومتقلقلاً باتجاه الشراب . لعله في الشراب يجد شيئاً من الدفء الضائع ، التوهج الضائع ، التوسع الضائع ، وما كاد يشرب حتى ذابت السماء ، وركضت السحب ، وكفّت الكآبة عن الإزعاج وأصبحت كوابل لطيف من المطر ، وزال التشنج الذي حدث في معدته بسبب خوائها من الطعام . الدفء واللون وامتداد القلب والأمعاء في عالم لانهائي . كانت هجرته هي التي يتضيق حوله ، وتصغر ، وتصغر ، وتخلو ، حتى أوشكت العزلة أن تخنقه . والآن كل شيء مفتوح ، على حين أن الزجاجة مملوءة ، ولكن حين أصبحت الزجاجة خالية ورفض الساقي أن يملأها ، سقط في الهاوية مرة أخرى ، وضعفت ساقاه وغشيت عيناه . أضاع كل شيء رغم انكمش العالم ثانية ، وتعمقت العزلة ، وتعمقت العزلة لأن الناس أخذوا يضحكون عليه ، ويتكلمون عنه ... . وحين كان يجلس هنالك كان يعلم أن ثمة شخصاً يفتش غرفته ويحاول أن يسرق رسومه ... " تقوص أناييس فن في المحيطات الداخلية ، لحرصها على اكتشاف العمق الإنساني ... ففي مجموعتها هذه " تحت الجرس الزجاجي " يرى القارىء الشخصيات المتمردة ، والخائبة ، من الفنانين المشاغلين الذين تحطمت أحلامهم ، والمشردين الذين رفضوا الطاعة ، والمأزومين الذين حال تزمتهم النفسي ونقص بصيرتهم دون الإنفتاح الخلاّق على الحياة ؛ كما يرى القارئ الشخصيات الطفلية ذات الثراء الداخلي والإخفاق الخارجي ، والفقراء والمتسكعين على جوانب الحياة ، ويتعرف على سحر المتاهة في أعماقها اللاشعورية ، وعلى الطفولة الضائعة ، ووراقه الحياة والموت .. إن روح التمرّد هي التي تسكن هذه القصص وما تركّز عليه هذه المجموعة القصصية ؛ إنما هو الدراما الداخلية في علاقتها بالدراما الخارجية ، وما هو متنوع من العالم الخارجي إنما هو لتصوير ما يعيش سراً في العالم الداخلي ، والجوهري في الإنسان ، بقطع النظر عن عرقه وبيئته ، فعلى الرغم من أن أشخاص القصص يمثلون مجتمعات مختلفة ؛ فإن القصص لا تشير من خلالهم إلى المجتمعات التي أتوا منها ؛ بل هي تشير إلى ما يشترك فيه البشر من توق إلى الإمتداد الإنساني ، وما يعانونه من الضياع ، وما يقف في وجوههم من العوائق .نبذة المؤلف:هناك سببان جعلاني أوافق على إعادة طبع هذه القصص. أحدهما أنها نُشرت أصلاً في إنكلترا بُعيد الحرب العالمية الثانية، في أشد الأوقات شؤماً. لم يكن ثمة ما يكفي من الورق، فبدت الطبعة المحدودة هَرِمَة قبل الأوان، وعانت من نقص المراجعين والقرّاء. والسبب الأهمّ عندي أن هذه القصص حطّمت القوالب واستخدمت تقطير الشعر، وأنا أشعر أنّ التقويم المعاصر لها قد يأتي أقرب إلى هدفها.
إنّ يومياتي، التي تحتوي الفترة التي كُتبت هذه القصص خلالها، وتقدّم الشخصيات غير المقطّرة، الإنسانية والحقيقية التي منها استُمدَّت، سوف تلقي ضوءاً جديداً عليها. فاليوميات تزوّد القارئ بمفتاح الأشكال الأسطورية وتؤكد ما قد بدا ذات حين من التخيُّل الخالص. ومثل هذا الزواج بين الخيال والواقع – أو الخيال بما هو مفتاح للواقع – إنما هو موضوع معاصر. وبعض القصص عن أُناس أصبحوا معروفين جيداً وأثّروا في حياتنا الحاضرة، وهم سيبدون الآن أكثر ألفة.
وإني أتذكّر دائماً ما وقع بين ديبوسي وإريك ساتي: قال ديبوسي لساتي إنّ مؤلفاته ليس لها شكل، فأجابه ساتي بأنْ أطلق على أحدها: “سوناتا في شكل الكُمثرى.” إقرأ المزيد