تاريخ النشر: 16/08/2018
الناشر: شركة دار الخيال
نبذة نيل وفرات:قالوا في التربية إنها " صناعة " ، وذلك لأنها تحدث إنقلاباً في فكر وجسم الإنسان ، وتعدّه للقيام بمسؤوليات جديدة أهم من مسؤولياته السابقة . وفي الواقع ، إن ظاهرة التربية قديمة قدم الإنسان ، وملازمة لوجوده ؛ فهي بدأت كمفهوم مع الإنسان بشكل نظري ، وأخذت بالتطور ...تبعاً لتطور متطلبات الناس . فالتربية بدأت مع مؤسسة الأسرة الأولى على وجه المعمورة ، إن جاز التعبير . وعليه ، فقد عرفت الشعوب والحضارات الغابرة طرقاً مختلفة للتعبير عن الأساليب التعليمية والتربوية ، منها على سبيل المثال لا الحصر : ففي الصين مثلاً ، وقبل خمسة آلاف سنة ، أُنشئت في القرى مدارس تعليمية ، وكانت تدعى بالأكاديميات الخاصة " تويوان " ، وهدفها تشجيع التثقيف الذاتي حسب تقاليد الكنفوشية . وأما التربية عند المسيحية ، فهي تنبثق من روح تعاليم سيدنا المسيح ، القائمة على منظومة المحبة والتسامح والتعاطف والودّ . وقيل إن التربية المسيحية تأثرت بطريقة " سقراط " في استخدام الحوار للكشف عن المغالطات والأخطاء ، وكانت أيضاً تعتمد على الأسرة بداية " ، ثم تطورت أساليبها لتنتقل إلى " الكنيسة " لتأخذ طريقة تقليدية في التوجيه والتأديب . أما مظاهر التربية في المجتمعات الجاهلية ، فكانت عبارة عن تدرب آلي تدريجي يساعد على اعتناق معتقدات الجماعة وعاداتها وأسلوب حياتها من العيش وكسب الرزق والمهن . وكان ما يميز تلك المجتمعات الجاهلية ، ما يؤديه من خليط من الطقوس ، والعادات ، وما هو شائع لديها من الإيمان بالخرافات والأباطيل ، وبسيادة العرافين والكهنة للتنبؤ بالأمور الغيبية ، والذين كانوا مرجعاً أساسياً ، حتى لملوكهم ، وجاء الإسلام ليحرر الإنسانية من هذا كله بما يعني عبودية التقليد والإنقياد الأعمى ، كما عمل الإسلام على تربية حرية الإختيار في الإنسان . وهذا لم يكن ردة فعل آنية على فكر الجاهلية وممارساتها ، إنما كان ذلك طرحاً شاملاً معالجاً لهذه الأمراض برمّتها . من هنا عرفت التربية الإسلامية عند التربويين المسلمين بأنها تلك العملية التي يمارسها إنسان تلك العملية التي يمارسها إنسان على إنسان بهدف تنمية جميع الجوانب الشخصية الإسلامية الفكرية والعاطفية والجسدية والإجتماعية ، وتنظيم سلوكها على أساس مبادىء الإسلام وتعالميه في شتى مجالات الحياة ، بما يضمن للمسلم سعادتي الدنيا والآخرة . والتربية الإسلامية عملية تربوية لا تقف عند أعتاب الطفولة ، فهي تربية مستدامة ترافق المسلم من ولادته إلى موته .. من المهد إلى اللحد .. والأهم من ذلك أن التربية الإسلامية إنما تسعى لتربية النفس والذات أولاً ثم الآخرين بالتأثير لاحقاً . وأما مفهوم التربية عند التربويين الغربيين ، فهي ، كما عند ديوي : عملية صوغ وتكوين لفعالية الأفراد ، ثم تحويلها إلى عمل إجتماعي مقبول لدى الجماعة . ومهما يكن من أمر ، فإن التربية إنما تتعلق بشكل مباشر بعواطف الإنسان ومشاعره وأحساسيسه ، ومهما كان الأسلوب في التربية ، فحق للطفل أن يقدم له ذلك في إطار من الحب .. فالعواطف تلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان ، فهي التي تدع الإنسان القيام بسلوك ما دون رهبة ، فبدون العاطفة تصبح الحياة كحقل مقفر .. لا ظل فيه ولا أزهار .. فجرعات الحب لا تفسد الأبناء .. وما يفسدهم قلته ، ويجب أن يتذكر المربي جيداً أن هناك فرقاً كبيراً بين الحب الذي يشعر به الآباء تجاه أبنائهم ، وبين التعبير بوضوح وفي الوقت المناسب عن هذا الحب .. كما أن هناك فرق واضح بين الحب الحقيقي الخالص ومن دون مِنّة ، وبين الحب النرجسي غير الصادق الذي تشعر به المنّة مما يؤدي إلى هدم ما بنيته . ضمن هذه المقاربات يأتي هذا الكتاب الذي يحاول المؤلف من خلاله تقديم أسلوب تربوي ممنهج ، يساعد الآباء على تربية أبنائهم تربية سليمة ، تربية عامرة بالحب والمودة .. فيكونوا هم القدوة الحسنة لأبنائهم باتباعهم أسلوب الحوار الهادي وفي حلّ المشكلات ، ومن خلال تعلمهم الإنصات الفعّال لأبنائهم ، وأخيراً وليس آخراً تمرسهم في أساليب التعبير عن الحب لأبنائهم ، حيث أن نشوء الأطفال في جو يسوده الحب ، يشبع عاطفتهم ، ويقوي من شخصيتهم ، ويزيدون ثقتهم بأنفسهم .. هذا ومبادىء سلوكية تربوية أخرى ، يهمس بها المؤلف بأذن الوالدين .. ليستمتعا بتربية أولادهم .. فيكون لهم ذلك معيناً على اجتياز صعوبات العملية التربوية في هذا العصر . وأخيراً ، الخطاب الوجداني يقارب القلوب ويوقدها ، وليملأ الأهل قلوب أولادهم بذلك الحب الذي سيمنحونه لهم عاجلاً أو آجلاً .. وإلّا " فإن فاقد الشيء لا يعطيه " . إقرأ المزيد