ملك المور أو معركة الملوك الثلاثة
تاريخ النشر: 17/11/2017
الناشر: المركز الثقافي العربي
نبذة نيل وفرات:"دخل القائد البرتغالي الضخم رضوان إلى سيّده أبي مروان عبد الملك بن السلطان محمد الشيخ وأنفاسه تتقطع، وما أن رآه "مولاي أحمد" الجالس بين أخيه عبد الملك وأمهما "سحابة الرحمانية"، حتى فزع من المنظر الذي رأى، ليقول لأخيه: "يا مولاي إن رضوان ينبئنا عن مصيبة، هذا العلج المنزوع القلب ...لا يقف هذا الموقف وهو يزحف إلا أن تكون واقعة عظيمة ونائبة من نوائب الحياة هي ما قد حلّ".
قال أبو مروان: "إن كان يريد أخبارنا عن مصيبة فما له لا ينطق... تحدث أيها العلج أو ضربتُ عنقك لينتهي روعك": قالت الأم سحابة: "دعوه بالله عليكم حتى ينتظم نفسه"، جثا رضوان على ركبتيه أمام سيدته مطأطنأ رأسه إلى الأرض، أزاح السلهام الذي يتشح به من على كتفه اليمنى إلى ظهره، وضع يده في جيب الجلباب، تناول كتاباً، فتحه ليقرأه على سيديه الرسالة التي وصلت، عجل من فاس "إلى سيدي ومولاي أبي مروان عبد الملك أعز الله مقامه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى قضى أمره وسنته الماضية، فقد توفي أخوكم السلطان عبد الله الغالب بعد مرضه الذي أخبرتكما به وأنتما في تلمسان؛ إذ طلبت منكما القدوم إلى سجلماسة وهو ينازع لتتولوا الأمر بعده".
توقف رضوان عن قراءة الكتاب ليرى ردّ فعل الأميرين، لكن مولاي أحمد، نهره عن الوقوف، ليقول له بصوت مرتفع: "أكمل قراءة الكتاب أيها العلج". وإني أنبئكما الخبر، أخبركما كذلك أن ابن أخيكما محمد المتوكل قد استأثر بالأمر دونكما، مخالفاً وصية والدكما في أن يكون الأمر في أبنائه الأكبر فالأكبر حتى ينتهوا ثم يؤول للأحفاد.
وقد وقعت له البيعة من أهل فاس بعد أن استظهر عليهم بقوّته مستغلاً غيابكما، كما أرسل إلى مَن يأخذ له البيعة في مراكش وسلا وباقي أطراف المغرب، هذا وإني أنذركما منه فقد سمعت من الثقة الذي لا يكذبني أنه ينوي الفتك بكما بعد أن قتل اثنين من أخوته، وسجن آخر، خشية من أن ينازعه أحدٌ الملك الذي يرى أنه أحق به من الجمع، ولا أرى إلا أن تعودا إلى صاحبكما في تلمسان حسن بن خير الدين، إلى أن نرى كيف نفعل فيما بعد، وأطمئنكما أنني والجند الذين تحت إمرتي، وجميع جند الأندلس والعلوج النصارى، والمسلمين منهم، وحتى يهود المغرب وجميع البربر الذي ينادونك "ماسين"؛ إذ لا يعترفون بغيرك سيداً عليهم، جميعنا رهن إشارتكم، لكن الأمر بحاجة إلى حسن تدبير".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خادمكما القائد محمد الهاشمي الأندلسي، فاس، ختم رضوان الرسالة، عاد واقفاً بجسده الضخم، واضعاً يده على سيفه وهو يتوعّد: "والله يا مولاي لن يكون الأمر للمتوكل وأنت وسيدي أحمد على قيد الحياة، الأمر لكما بعد أخيكما السلطان، وإنّي سيدي أشهد الله ألا تقرّ لي عين حتى أقود جيوشك لإستعادة حقك المغصوب، أنت سلطان المغرب وجميع من في هذه البلاد يعرف أن ما يحدث لهُو إغتصاب لمُلِككَ وحقك وإستخفاف بوصية والدكم".
يبقى للروايات التاريخية تألقها وحضورها في كل زمان ومكان، وعلى وجه الخصوص إن كانت تحمل من الوقائع الموثقة أكثر مما تحمله من الخيال والتلفيق، ولهذه الرواية مصداقيتها التاريخية إذ يروي الكاتب من خلال معركة الملوك الثلاثة، أو معركة المخازن الشهيرة التي وقعت بين الاعوام 1574 و 1578، إذ تكاد الكتابة والقصص التاريخية تتوقف وتتوارى بعد سقوط الأندلس، وعندها فقط، إذ ركّز المكتبة والمؤرخون على حدث السقوط، جاعلين من أحداث تلك المأساة مادة ومضماراً لكتابة؛ متجاهلين الفصل الأخير منها، الذي لعب فيه البطل المغربيّ "أبو مروان عبد الملك بن محمد الشيخ السعدي" دوراً حاسماً حالَ دون إستمرار الزحف البرتغالي والأسباني على المغرب والمشرق وذلك أواسط القرن السادس عشر، وهي الفترة التي كان لها المغرب بلد "المور" (Le Maures)، كما أطلق عليه جيرانه وذلك بسبب شدّة تنوع سكانه وأعراقه، وتنوعه الفريد حيث كلمة الأشراق، وكان سكانه مزيجاً من البربر والعرب والأندلسيين والأفارقة واليهود والمسيحيين، وحتى بعض الأوروبيين، وغيرها من ملل ونِحَلْ كوّنوا للمغرب هوية فريدة في ذلك الوقت، وسطّر بطولات يحاول الكاتب نفض الغبار عنها في هذه الرواية التي وقعت أحداثها، كما أسلفت، بين الأعوام 7574م / 1578م ومن قبلها معركة وادي المخازن المشهورة، والشهيرة بإسم معركة الملوك الثلاثة، التي دارت رحاها في شمال بلاد المغرب الأقصى في 30 جمادى الآخرة في عام 986/ 4 أغسطس، آب من عام 1578م موقعها في هذه الرواية موقع القطب من الرحى، ويمكن للقارئ أن يتابعها في هذه السرديات التاريخية وكأنه شاهدٌ حيّ عليها. إقرأ المزيد