تاريخ النشر: 10/04/2017
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة الناشر:بيتنا يخلو من الأحداث، لا أفراح ولا أحزان، ترعرت في حضن جدتي لأبي. كنت أحسبها أمي، أناديها أماه. علمت أنها ليست أمي قبل دخولي المدرسة. لا أذكر كم كان عمري حينها. عرفت ذلك من الأحاديث التي تحكيها النسوه معها. أعرف الكثير من أسرار عائلتي وأسرار العوائل التي تسكن حيّنا. إذ ...منذ طفولتي كنت أسمع كل ما يقال لجدتي. إذا خفضت إحداهن من صوتها أعلم أن الأمر يتعلق بأمور حميمية، ويدخل الحديث تحت تصنيف ما لا ينبغي أن أسمع. كانت أذناي تلتقط من كل شي، بينما تنظر النسوة أني مجرد طفلة لا أنتبه ولا أفهم ما يرتبط الذي أردده مع نفسي كي تحفظه ذاكرتي ولا أنساه أبداً. في بعض الأحيان لا تنتبه جدتي لجلوسي على مقرب من دارها، وإذا انتبهت وكان الحديث يتعلق بي تغمز للنسوة وتصيح بهن: أس أس في السما غيم، مما يعني أنها تعترض على التحدث في هذا الأمر أثناء وجودي. لكن النسوة لا يصغين لجدتي، تقول احداهن "سب الشيخ لا تطري اسمه"، وتواصل الأخرى الحديث بما يشبه الألغاز، لكني كنت أفهم. نسكن في المنامة في فريق المخارقة، على مقربة من خاتم بن زبر ومسجد بن جغفر. الجانب الشرقي من بيتنا يطل على شارع المتنبي، الذي يشق الحي من شماله إلى جنوبة، لذا لا ضرورة لوجود سيارة في حياتنا، نقضي حوائجنا مشياً على الأقدام. جميع ما نحتاج إليه نجده في شارع المتنبي والطرق المتفرعة عنه، البقالي والخباز والطبيب والصيدلي والبزاز وكل شيء. الخبز اشتريه من الخباز، الذي يقع على بعد عشرين خطوة من بيتنا. أذكر أني حسبت عدد الخطوات ذات يوم. الحليب الطازج أشتريه من بيت مسعود وبقية الحوائج من البقالة المقابلة لدكان شريف. إذا أرادت جدتي أن تزور أحداً خارج المنامة، ترسلني بالقرب من مسجد الجامع لأكتري لها سيارة، إذ هناك يقف الذين يمتلكون سيارة ويعملون كسائقي أجرة في أوقات فراغهم. الجميع يسمى بيتنا "البيت القوْد". ذلك لأنه كبير جداً. من المألوف أن أسمع أحدهم يقول بعد أن يأتي على ذكره: "كبير تردح فيه الخيل". يقع باب البيت جنوباً، على طريق يتقاطع مع شارع المتنبي وشارع البحرين. الجانبان الشمالي والغربي من البيت ملتصقان ببيوت الجيزانز وهذا ما يجعل الدور والغرب الشمالية معزولة عن أعين المتلصصين، إذ تطلّ نوافذها على فناء البيت. بينما تطل نوافذ الدور والغرف الشرقية على شارع المتنبي الجبهة الغعربية لا يوجد بها إلى المطبخ وسلم وسقفية من سقف النخيل. يوجد سلم آخر يلي باب البيت مباشرة السقفية مهجورة لا حاجة لنا بها. كانت جدتي فيما مضى تستخدمها لنشر التمور وتجفيف الروبيان وبعض أنواع السمك. تقول جدتي كان البيت في زمن من الأزمنة عامراً بالأولاد والحفدة. وبعد أن حقق الولاد مكاسب في التجارة، خرجوا تباعاً من البيت ومن المنامة. سكن كل واحد منهم في بيت مستقل، وبقينا نحن الثلاثة جدي وجدتي وأنا. علمت منذ طفولتي، من أحاديث النسوة، أن جارتنا كميلة، التي تسكن في الطرف الأخر من شارع المتنبي، هي أمي. نحن على جهة الشارع الغربية وهي أمي. نحن على جهة الشارع الغربية وهي على جهته الشرقية، تفصل بيننا مسافة دقيقتين مشياً على الأقدام. لقد تخلت عني، وهي لا تأتي لزيارة جدتي أبداً. أغلب النسوة اللاتي في الحي يأتين لجدّتي، لكن كميلة لا تأتي. أصادفها في الطريق أو في بعض المناسبات. لم تتحدث معي قط، تتعمد أن تتجنبني. أظن أنها تحتقرني. حين نمرّ صدفة بالقرب من بعضنا تطير نظراتها في الهواء، لكي لا تتلاقي أعيننا ببعضها. أنا على العكس منها، أخيرّها بنظري كلما صادفتها". تحكي القصة حكاية جليلة، وتحضي وكقارئ، في تفاصيل تلك الحكاية لتدرك، وليس مطولاً، بأن العنوان إنما اشتق من طبعها كفتاة حرون، إذ هي تمتلك طبعاً لم تستطع جدتها تبديله... فهي، أي رباب، ورغم كل ما فعلته جدتها لتشنيها عن قرارها بالبقاء وحيدة بدون زواج، لم تفلح. تمضي جليلة في سرد سيرة حياتها، فتقدم الكاتبة من خلالها، صورة للمجتمع البحريني شوارعه، سخط البنيان فيه.... إلخ وذلك من خلال أسلوب بسيط، دون تكلف وبشكل تلقائي... ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود حبكة تشيع في القصة مناخات، ترقب، وتوتر... وانتظار. وسبب ذلك يكمن في أن سيرة حياة جليلة، في الواقع، سارت ضمن هذا المسار، ذا الإيقاع البطيء... لفتاة حرون أبت إلا أن تتسير حياتها، ضمن روتين قاتل... إلا أنها وإلى نهاية القصة تكتشف أنها أخطأت في حق نفسها... "لقد آن الأوان لأتعلم كيف أحيا. لعل الخروج من مخبئي هو البداية. لم لم يخطر هذا الأمر على بالي من قبل." إقرأ المزيد