تاريخ النشر: 03/11/2016
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"الليلة الاخيرة في السجن، ثلاثة أشهر في الزنزانة، كنت فرحاً جداً، ولكنك قلق بعض الشيء، طوال فترة السجن، كنت تنتظر تلك اللحظة، وصباح ذلك اليوم، كنت تحن للمستقبل، الذي يبدأ منذ أن تطأ قدمك خارج أسوار هذا السجن اللعين الذي لم ترَ منه غير زنزانتك. كنت قلقاً جداً، فماذا ...ستفعل الآن؟ أين ستعمل بعد أن خسرت؟ أين ستنام وليس لديك بيت؟ وليس في حسابك في السجن سوى 45 دولاراً؟ أي مستقبل ينتظرك الآن؟ ولا يزال أمامك ثلاث سنوات ونصف السنة قبل أن تعود للوطن. حاولت كل جهدك أن تنام فكل ثانية تمر بصعوبة، كأنها لا تريد أن تتحرك. كل السجناء يناموا، وأنت تتقلب على السرير، تفك بالأولاد وحنان، تفكر كيف ستمضي وقتك خلال فترة المراقبة داخل دار التأهيل التي يتم تحويل كل سجين إليها. قبل الخامسة صباحاً، جاءك السجان يطلب منك أن تحمل حقيبتك وتلحق به. حقيبته؟ أية حقيبة.. خرجت بملابسك التي تلبسها... وقعت على الأوراق المطلوبة، وخرجت لا تلوي على شيء، عندما وطأت قدمك أرض الحرية شعرت براحة نفسية. كأن للهواء خارج القضبان طعماً آخر. ها أنت تدخل عالم المستقبل الذي كنت تحلم به، وتحنّ إليه. هل أنت جاهز لهذا العالم الجديد؟ في السيارة كنت تدقق النظر في الجبال التي تحيط بالمنطقة وبالسماء الصافية. كنت تغلي كماء فوق صفيح ساخن شوقاً لحنان والأولاد، لو أن حمدان جاء يستقبلك هنا لاستخدمت الآن هاتفه النقال واتصلت بهم في القدس، لكن كيف ومالديك مبلغ زهيد ستحتاج كل سنت فيه. صبرت كل هذه السنوات، فلماذا لا تصبر يوماً إضافياً. نصف ساعة كدهر بأكمله، أنت في محطة الباصات المركزية، أول شيء بحثت عنه الهاتف العمومي، كان اتصالك الأول بحمدان.. وما أن سمعت صوته حتى قلت له: السلام عليكم حمدان، وجاءك الصوت عبر السماعة مجلجلاً: وعليك السلام أحلى نعيم في البلد، مليون الحمدلله على سلامتك. آخ يا نعيم قلت لك أن أحضر لإحضارك فرفضت. لا أريد أن أتعبك يا حمدان، المسافة بعيدة جداً.. لكن لا تقلق سأراك في محطة الباصات في منسوتا... قبل أن تكمل قال لك: قبل قليل اتصلت مي زوجتك تسال عنك، انتظر قليلاً، دعني أوصلك بها... كان قلبك يخفق كثيراً، ستسمع صوتهم الآن، أكثر من ثلاثة أشهر لم تسمع صوت أحد منهم، فتح الخط، بادرتك: "ألو نعيم حبيبي."، "ألو حنان" حبست دمعتك محاولاً التخفيف من انفعالك كي تخرج الكلمات من فمك مفهومة، وكي تستطيع التخفيف عنها، فقد سبقتك للبكاء. "كيفك نعيم، شو صار فيك، يلعن أبوهم وأبو السجن، الحمدلله على سلامتك" كانت تقولها وصوت نحيبها يرن في أذنك. كنت تتمنى لو تقفز من الهاتف فتضمها لصدرك، قلت لها بعد أن تماسكت قليلاً: "أنا بخير، تحررت أخيراً... كيف حال الأولاد، اشتقت لهم، هل صارو شباباً؟ ينتظران خلفي يتشاجران أيهما سيتحدث معك أولاً... سأفتح السماعة ليسمعا معاً ويتحدثا بالدور. انطلق صوت صابر: بابا الحمدلله على سلامتك... لم يكمل صابر، صاروا كلهم يتحدثون معاً.. كنت غارقاً في سماع أصواتهم كأنها موسيقى لآلات متنوعة... لم تعرف من قبل أن تضارب العازفين ينتج لحناً يطرب القلوب ويدغدغ مشاعر الآباء المغتربين. أغلقت السماعة، وصوتهم جميعاً مازال صداه يرن في أذنيك، عندما لا تراهم العين يصبح للصوت رنين مختلف تماماً، يتحول إلى موسيقى تتجدد مع كل اتصال، وتصبح الذكريات أجمل فلماً لا نمل مشاهدته كل يوم، ويصبح الحنين للمستقبل أجمل لوحاتك. جلست في أحد المقاعد تنتظر موعد إقلاع الباص. جففت دموعك وسط تلصص بعض الركاب عليك، أسندت ظهرك إلى الخلف. أغلقت عينيك كأنك تغط في سبات... لكنك كنت تستعيد صفحات من الماضي، وأخرى مثلها لمشاهد تتمناها في المستقبل..."
ها هو يسترجع ذكرياته... أو أنها ترجع به إلى ذاك اليوم... واقف أمام بوابة سجن (دولوث) بجرم ارتكبه.. التآمر على مصلحة الولايات المتحدة.. لتلاعبه بدفع الضريبة المستحقة عليه... وبغض النظر عن مدى ثبوت هذه التهمة عليه... فقد دفع ثمنها جزءاً من حياته وكيانه... يتذكر ذلك السجن الغريب لا قضبان حديدية تقف أمامه حائراً، متوتر الأعصاب، في حين كانت أعصابك قوية وأنت تدخل أسوار سجن بئر السبع قبل أكثر من ثلاثين عاماً في سيارة عسكرية وصفحة، كانت قيود السجن تزيدك فخراً، أما اليوم فأنت تشعر أنك داخل إلى سجن حقيقي [...].
لعل أقسى ألم يواجهه إنسان هو ألم الغربة... حيث يصبح غريباً عن نفسه... مسجوناً داخل قضبان... بل جدران تحجبه حتى عن النظر إلى المستقبل... يأخذك الروائي إلى عالم الاغتراب... تمضي مع نعيم الشخصية المحورية، والذي يزيح الستار عن قصص وحكايا أصدقاءه في السجن والهم والاغتراب... لكلّ حكايته... ولكل واحد همه الذي ينوء بحمله... ونظره يتطلع إلى رميه عن كاهله عند العودة إلى الوطن.. يفتش مع تلك الشخصيات وهي تواجه أقدارها وأقساها نظرة الأميركي... عندما ينظر إليها نظرة دونية... تتوالى الأحداث وتعيش مع نعيم تجربته داخل سجن دولوث... ثم داخل الزنزانة في السجن المجاور الأعلى أمنياً... وليس أسوأ من سجنه داخل نفسه.. وبين جدران حاضر ألزمه نسيان مستقبله "ها أنت على وشك التحرر من السجن، لم يبق لك إلا عدة شهور.. فرحك ممزوج بالخوف من المستقبل الذي تحن إليه" ويصدق حدس نعيم.. إذ بعد أن تحين لحظة اللقاء مع عائلته على أرض الوطن في القدس.. وبعد أن كانت حنان والأولاد في انتظاره في المطار.. هبطت الطائرة التي كان مسافراً عليها بسلام، وتجمع الجميع أمام باب المطار الداخلي ينتظرون خروجه مع المسافرين القادمين.. ولكن دون جدوى.. لم يظهر ورن جرس هاتف حنان... كان هو المتصل.. قال لها بصوت حزين: سيعيدونني يا حنان منعوني من الاتصال وأخذوا جواز سفري وقد سمحوا لي أن أصل الآن لأخبركم أنني عائد.. اتهموني أنني قادم للبقاء في الوطن.. وختموا جواز سفري، ممنوع من الدخول [...] ليبقى ذاك المستقبل الذي رنت إليه روحه محرماً... وليبقى ذاك الحنين إلى ذاك المستقبل.. سجيناَ داخل النفس والوجدان..نبذة الناشر:لم أنم حتى ساعات الصباح، قلقتُ عليكَ كثيراً لأنك لم تتصل يوم أمس كما عودتنا كان الأولاد متلهفين لسماع صوتك، وكنتُ أكثر تلهفاً منهم، بل كنتُ أكثر قلقاً.
أشعر أنكَ في خطر، إحساسي يقول لي أنك تعاني من شيء منعك من الإتصال، أشعر أنك بحاجة لي، وقد تخلفتُ عنك، قصرتُ بحقك، ليتني لم أعد من الولايات المتحدة، وبقيتُ أزورك بالسجن أسبوعياً، كنتُ على الأقل سأتسلح ببعض صبرك.
تنقل هذه الرواية واقع بعض المغتربين العرب في الولايات المتحدة، ليست سيرة ذاتية لشخص محدد، والأسماء الواردة فيها، من خيال المؤلف، فإن تطابقت مع أسماء من الواقع مروا بالتجربة نفسها، فهي مجرد صدفة. إقرأ المزيد