المواجهة الجنائية لجرائم الإتجار بالبشر - دراسة مقارنة
(0)    
المرتبة: 163,347
تاريخ النشر: 01/01/2016
الناشر: دار الثقافة للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة الناشر:تعدّ الجريمة بشكل عام وجرائم الاتجار بالبشر"الرق" بشكل خاص ظاهرة اجتماعية قديمة بدأت منذ خلق الله للإنسان، وقد انتشرت بين بني البشر في مختلف أصقاع المعمورة، على اختلاف ألوانهم وأديانهم ولغاتهم وأعراقهم وحضاراتهم، ولكن بأشكال وأنواع وأساليب تختلف من مجتمع لاخر.
ولما كانت الجريمة ظاهرة مرتبطة بحياة أفراد المجتمع وبظروفه ...الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية...إلخ، فإن التطورات التي شهدها العالم في العقود القليلة الماضية على جميع الأصعدة، الإيجابية منها كثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات وسهولتها، والعولمة وانفتاح الحدود بين الدول، أو السلبية منها كالاختلالات الاجتماعية والاقتصادية بين دول العالم "الغني منها والفقير"، والفقر والبطالة وازدياد تكاليف الحياة، وازدياد عدد السكان في دول العالم الثالث...إلخ، أثرت على أشكال الإجرام وأنواعه، حتى وصلت في الآونة الأخيرة هذه الأشكال المختلفة من الإجرام إلى كرامة الإنسان وحقوقة وحرياته الاساسية بعد أن قطعت البشرية شوطاً طويلاً في تكريس هذه الحقوق، حيث أصبح حق الإنسان" بالحياة والكرامة الإنسانية وسلامة جسمه وأعضائه وحقه بالحرية والعمل" محلاً لهذا النوع الجديد من الجرائم، والتي يطلق عليها جرائم الاتجار بالبشر" Human Trafficking"، التي أصبحت ظاهرة عالمية معقدة ومتداخلة تتجاوز الحدود الوطنية للدول.
وبالرغم من التطور الحضاري والتكنولوجي الذي اجتاح العالم المادي المعاصر، الا أن الإنسانية أصبحت تعاني من أزمة حقيقية تتمثل بانحطاط منظومة القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية لم يسبق لها مثيل، وعادت ظاهرة العبودية والاسترقاق ــ التي كانت تعاني منها البشرية منذ فجر التاريخ وحتى القرون الوسطى ــ تطل برأسها من جديد وبأساليب وطرق حديثة أبلغ وأشد وقعاً وإيلاماً من السابق، وأصبح الإنسان بموجب هذا النوع الجديد من التجارة" البغيظة واللاإنسانية" سلعة تباع وتشترى وفقاً لسوق العرض والطلب، ومصدراً للاستغلال في جني الأرباح الطائلة، من قبل أناس أشرار انتظموا في جماعات إجرامية ــ محلية وإقليمية ودولية ــ واستهدفوا الفئات الهشة في المجتمع " النساء والأطفال"، أو الفئات المستضعفة بسبب الظروف المعيشية التي تعاني منها" الفقر والبطالة"، لغايات استغلالهم، ولا يعنيهم المجال الذي يستغل فيه الإنسان لغايات جني الأرباح، سواء باستخدامهم في الممارسات الجنسية "الدعارة"، أم العمل القسري أم الجبري أم الاسترقاق أم الاستعباد أم نزع الأعضاء البشرية وبيعها لمن يدفع أكثر، بل أن الأمر لا يقتصر عند هذا الحد، حيث يلجأ الجناة في هذا الجرائم وفي سبيل تطويع المجني عليهم وإخضاعهم للأمر الواقع إلى استخدام الوسائل القسرية وغيرها من الأساليب التي تسلب إرادة المجني عليه وتجعله أداة تحركها أيدي الجناة كيف تشاء لتحقيق الاستغلال بمختلف أنواعه وجني الأرباح من وراء ذلك، والتي أصبحت تشكل هذه الممارسات شكلاً من أشكال العبودية بمعناها الحديث" Modern Slavery"، وأصبحت هذه المشكلة تؤرق دول العالم المختلفة، كونها من أخطر الجرائم التي تواجه العالم باعتبارها تستهدف الإنسان بكرامته وحقوقه وحرياته أهم لبنة في المجتمع وتطوره وازدهاره.
ولهذه الاعتبارات، وعلى ضوء هذا الإرث القديم من الممارسات ضد حقوق الإنسان، وإفرازات العصر الحديث، فإن دول العالم ومنذ مطلع القرن العشرين تداعت لعقد مؤتمرات دولية وإقليمية لوضع آليات مكافحة هذه الآفة التي أصبح أثرها لا يقتصر على دولة بعينها بل يمتد إلى دول عديدة من خلال شبكات إجرامية تقوم بمثل هذه الجرائم بين الدول، ولبحث الأشكال القديمة والحديثة لما بات يعرف بجرائم الاتجار بالبشر، وذلك بتعريف هذه الجرائم وأشكالها وصورها المختلفة والإجراءات التي يتعين على الدول اتخاذها في تشريعاتها الوطنية للقضاء والحد من هذه المشكلة والتعاون بين الدول على جميع المستويات لغايات محاربة الشكل الجديد من الإجرام.
إن جهود المجتمع الدولي في حماية حقوق الإنسان من هذا النوع من الإجرام، تجلت بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تم إبرامها بهذا الخصوص التي وصلت لأكثر من اثنتين وثمانين أداة دولية تصدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للرق وتجارة الرقيق والممارسات الشبيهة به والعمل القسري، والتي توجت هذه الجهود بإبرام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية لعام 2000 وبروتوكولاً تنفيذياً لهذه الاتفاقية وهو بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، وألزمت هذه الاتفاقية والبروتوكول الخاص بها الدول الأعضاء أن تدخل تعديلاً تشريعياً بالتشريعات الوطنية بما يكفل مكافحة هذه الجرائم.
وعلى المستوى الوطني وتنفيذاً للاتفاقيات الدولية وبروتوكول باليرمو، فإن المشرع الأردني وفي عام 2009 قد أصدر قانون لمنع جرائم الاتجار بالبشر، كما صدر في جمهورية مصر العربية قانون لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر بعام 2010، وذلك لمواجهة جرائم الاتجار بالبشر، وكذلك صدر العديد من القوانين في عدد كبير من دول العالم لمواجهة هذه الجرائم، سواء بإدخال تعديل على قوانين العقوبات أو بإصدار قوانين خاصة، حيث لم تعد القواعد التقليدية للتجريم والعقاب في قوانين العقوبات أو القوانين الخاصة كافية بتحقيق الردع العام والخاص لمثل هذا النوع من الإجرام.
وموضوع هذه الدراسة سيتناول المواجهة الجنائية لجرائم الاتجار بالبشر بشقيها: المواجهة الموضوعية التي تشمل التجريم للصور المختلفة لجرائم الاتجار بالبشرمن حيث أركانها الخاصة، والعقاب المقرر لها سواء للأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية، والظروف المشددة والمخففة وحالات الإعفاء من العقاب، والمواجهة الإجرائية من حيث دور اللجان الوطنية، وإجراءات الاستدلال والتحري والتحقيق وحماية الشهود والمجني عليهم، وذلك على المستوى الوطني، ووسائل التعاون القضائي الدولي بين أجهزة الضبط القضائي، والمساعدة القانونية والقضائية المتبادلة بين الدول، وتسليم المجرمين والإنابة القضائية الدولية وتنفيذ الأحكام الصادرة بجرائم الاتجار بالبشر على المستوى الدولي، على أن يسبق ذلك التعرف على ماهية هذه الجرائم وخصائصها وأسبابها وأوجه الاتفاق والاختلاف مع جرائم تهريب المهاجرين. إقرأ المزيد