تاريخ النشر: 01/01/1966
الناشر: منشورات الجامعة اللبنانية
نبذة نيل وفرات:كان لبنان في الفترة الممتدة بين عام 1804م والعام 1832م لا يزال ينعم بنظام داخلي منذ الفتح العثماني، وقد قضى هذا النظام بتوحيد جميع الأراضي اللبنانية في شخص أمير لبناني ينتمي إلى أسرة لبنانية معينة دون سواها: المعنيين أولاً ثم الشهابيين، وشملت الأراضي اللبنانية أجزاء معينة من أيالات صيدا ...وطرابلس ودمشق دُعِيَتّ معاملات.
فمعاملة صيدا اللبنانية بدأت عند مصب نهر الأولي بالقرب من صيدا وانتهت عند جسر روماني قديم شمالي جونية وُعي جسر المعاملتين؛ لأنه كان الحدّ الفاصل بين معاملة صيدا وبين معاملة طرابلس.
وشملت هذه المعاملة الثانية جميع ما وقع بين جسر المعاملتين وبين نهر البارد شمالي طرابلس، ودخل في لبنان أيضاً أكثر سهل البقاع وبعلبك وجميع المنحدرات الغربية من جبل الشيخ بما فيها حاصبيا وراشيا حتى أصبح الحدّ الفاصل بين لبنان وبين حكومة دمشق تقلب المياه في أعلى جبل الشيخ.
وكان الأمير الحاكم يجبي الضرائب ويوردها في حينها ويؤمن العباد ويقضي بينهم، وكان لأعيان البلاد حتى إنتقاء الأسرة الحاكمة كما جرى عند إنقراض المعنيين سنة 1697 وحتى التشاور معها يعود لمصلحة الكل، ومثال ذلك ما جرى في السنة 1788 بين الأمير الحاكم يوسف الشهابي وبين أعيان البلاد، قال الشيخ طنوس الشدياق: "وفيها ركدت همة الأمير يوسف وأظهر له الأكابر الجفا، وكان بنوجنبلاط ينفّرون الناس منه ويشيعون عنه أخبار الوهن، فاستصوب التنازل عن الولاية وجمع أكابر البلاد وذكر لهم عجزه عن القيام بأموال الولاية وما بينه وبين الجزار من الشاحنة وأطلق لهم أن يختاروا لهم والياً آخر غيره من الأمراء الشهابيين اللبنانيين فاختاروا الأمير بشيراً ابن الأمير قاسم عمر.
وكان الجزار يميل إليه ويرغب أن يجعله والياً... وكان بين الأمير بشير والفئة الجنبلاطية محالفة وعهود، فأحضره الأمير يوسف وأشار إليه بأن يتوجه إلى الجزار، ويتوشح بخلعة الولاية على البلاد.
وهكذا تولى الأمير بشير حكم لبنان، وكان بشهادة خصم له عاقلاً عادلاً حليماً شجاعاً فاضلاً كريماً شهماً يقظاً صادقاً رزيناً حزوماً جباراً فاتكاً صبوراً غيوراً وكان عظيم الهيبة وقوراً شديد البأس لا يستطيع الناظر إليه أن ينغرس فيه طويلاً، فاستتب الأمن في البلاد، وأصبح لبنان في عهده، وعلى حدّ قول أحد الشعراء "حمى يدق كل ملتج"، وقام الأمير بإرضاء رجال الدين على إختلاف مللهم وتحلهم فعاونوه في بسط نفوذه وسلطانه.
ومن ناحية ثانية، كان قد جمع الأمير وشاعره المعلم نقولا على صلة وثيقة بمصر... وكان يميل إلى محمد علي الكبير ويقدره حق قدره، ومن هنا في الأرجح نشأ ميل الأمير الشهابي للعزيز واستعداده للجوء إليه والإعتماد عليه، وبعد أن وطد العزيز حكمه وأظهر بأسه ورجولته وأصلح ما أصلح أصبح التفاهم بين الرجلين محتماً.
وهكذا أضحى للعزيز دوراً هاماً في حياة الأمير بشير، وشكّل مفصلاً تاريخياً في سيرورة حكمه، يقول المؤلف في مقدمة كتابه "ونزعت نفس فخر الدين الثاني إلى الإستقلال، وفاوض في ذلك واستعدّ له، ولكن الحظ لم يساعده، وباء بالفشل، ولم تسمح ظروف الشهابين الداخلية بشيء من الإهتمام بالإستقلال قبل أيام بشير الثاني، ورأى هذا الشهابي الكبير بثاقب نظره أن لا فائدة ترجى من الأتراك العثمانيين وسلطنتهم ولمس في الوقت نفسه عبقرية محمد علي لمس اليد، فاتصل به في مصر وفاوضه في تحالف... ثم طرح الإثنان معاً على السلطان ومتعاوناً تعاوناً وثيقاً.
وكان لبنان آنئذ يقدم إلى ساحات الذي أكبر العناصر العسكرية المحلية عدداً وأشدّها بأساً... فرجحت كفة العزيز في سورية وفلسطين وتوابعهما في أثناء الحرب الأولى بين العزيز والسلطان، وتمكن العزيز، بفضل الشهابي ورجاله، من إخماد الثورات في فلسطين، وفي الأردن، ومناطق عكار، والعلويين [...].
يتابع المؤلف وبدقة الأحداث التاريخية الممتدة بين العام 1804 - 1841، والتي تزامنت مع ذلك التحالف الذي قام بين الرجلين "بشير" و "العزيز" وتداعيات ذلك التحالف على السلطان العثماني، ثم ليتم تسليط الضوء على نهايات تلك العلاقة بين الأمير بشير والعزيز الذي التبس الأمر عليه، وأحلّ نفسه محل الأمير، حيث أصبح يتدخل في شؤون اللبنانيين، مما أثار حفيظتهم، وانقلبوا عليه، مما أشاع الفوضى في البلاد، مما أدى إلى تدخل الدول، ثم ليخسر لبنان بشيره الثاني الذي دافع بحق من الحرية والكرامة بخروجه مع العزيز على السلطان أولاً، ثم بصموده في وجه العزيز ثانياً وإكراهه على العودة إلى مصر. إقرأ المزيد