تاريخ النشر: 01/01/2015
الناشر: دار الفارابي
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:إن مجمل تاريخ الفكر والوجود الإنساني، طبقاً إلى الفيلسوف الألماني هايدغر، قد تمت الهيمنة عليه بخاصية فهم الإنسان "لسؤال الوجود"، فأصل ضياع الفكر الحديث وإنحرافه عن مساره الحقيقي يتجذر أصلاً في مسألة "نسيان الوجود".
وفي كتابه هذا "مدخل إلى الميتافيزيقا" يقوم هايدغر، بناءً على ذلك، بالبحث والإستقصاء في كلّ من ...معنى "الوجود" وتاريخ فهم الإنسان له من أجل أن يصل إلى تشخيص دقيق لأسباب هذه المشكلة التي تعتبر واحدة من أهم لحظات المنعطفات الكبرى في تاريخ الفكر الغربي.
فلقد أدرك هايدغر بحسه الذكي وبشكل مبكر أن هذا التاريخ بمجمله قد تم تدوين وثيقته الفكرية من خلال إبداعات "الفلسفة" و"الشعر"، وعلاوة على كل ذلك في بواطن وأسرار اللغة التي تقف وراء صناعة مجمل تاريخ الإبداع الإنساني في هذين المجالين.
ويقول هايدغر بهذا الصدد: إن "الكلمات واللغة ليست أغطبة وأغلفة لهؤلاء الذين يكتبون ويتكلمون، بل من خلال وسطها وسياقها، وبالأحرى تنبثق وتأتي الأشياء أولاً إلى "الوجود"، ويضيف في موضع آخر من هذا الكتاب أن العلاقة المتهافتة والمشوهة مع "الوجود" تمثل السبب الحقيقي والمباشر الذي يكمن وراء سوء العلاقة العام الذي يربطنا الآن مع اللغة.
هذا يوضح لنا بجلاء ماذا تحتل موضوعة مثل موضوعة أصل الكلمات وتقلباتها مساحة واسعة من هذا الكتاب، كما أنها علاوة على ذلك، تشكل جزءاً كبيراً من أسلوب الكتابة الفريد والمميز عند هايدغر وصعوبة ترجمته إلى اللغات الأخرى، ومنها العربية.
ومن البداهة، أن أي فيلسوف، بغض النظر عن جنسيته واللغة التي يتحدث بها عادة ما يكون ضالعاً بشكل عميق في شأن لغته، وهذا الأمر ينطبق بالطبع على الفيلسوف هايدغر، ولكن بمعنى خاص جداً جداً، ومن الملفت أن المنهج الذي يتبعه هايدغر في هذا الكتاب له الكثير من تطبيقاته في اللغة العربية وهذا يعود إلى أن كلاًّ من اللغتين لهما قدر من القواسم المشتركة، ولكن يظل نظام اللغتين، ومع ذلك، مختلفاً بخصوص الكثير من المسائل؛ وإلى هذا، فإن الموضوع الرئيسي في هذا الكتاب هو، مفهوم الوجود وعلاقته مع كل الموجودات.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم ترجمات هايدغر للكثير من النصوص الأغريقية الفلسفية إلى اللغة الألمانية التي ترد في هذا النص "مدخل إلى الميتافيزيقا" هي في الواقع تختلف بشكل جذري عن ترجمات اللغات الأخرى للنصوص ذاتها، فأهم ما يميز ترجمة هايدغر لتلك النصوص أنها تقوم في - في الأساس - على التحقق والإستقصاء الدقيق في أسس الكلمات والمصطلحات والعبارات الأغريقية وفي المساحات الواسعة لإيحاءاتها ودلالاتها.
ومن ناحية ثانية، فإن القارئ وعندما يقوم بمطالعة أي نص من النصوص الفلسفية التي تعود إلى هايدغر كفيلسوف ألماني، فإنه سيصطدم لا محالة بصعوبات جمة في ما يتعلق بمسألة فهم وإستيعاب المصطلحات والكلمات المشحونة فلسفياً التي يستخدمها في نصوصه الفلسفية وطرائق توظيفها.
مع ذلك فإنه ليس من المبالغ فيه القول بأن الصعوبات والمشكلات ذاتها تواجه أيضاً القراء الألمان (المتخصصين) لها يدغر في نصوصه الأصلية، فميزة هذا الفيلسوف تكمن في قدرته على إشتقاق وإستحداث وإجتراح وخلق ونحت الكثير من المصطلحات والتعابير الفلسفية من أجل إرساء قواعد مساره الفلسفي بعيداً بالطبع عن مسألة الإنجرار اللفظي أو حتى التباهي بأقوال الفلاسفة والشعراء الكبار (بارمنيدس وهيراقليطس، هوميروس وهولدرلين).
بالإضافة إلى ذلك يعمل هذا الفيلسوف كثيراً وبفعالية على إستخدام وتداول مصطلحات غير معروفة تماماً وغريبة عن قطاعات المعرفة والوسط والسياقات الفلسفية مانحاً إياها دلالات ومعاني وتأويلات خاصة جداً، كل ذلك من أجل أن يخلق نوعاً من الإستراتيجية المعرفية الجديدة التي تعمل أو تتمثل بإنتهاك المواقع التقليدية للتفلسف الغربي الكلاسيكي وزحزحتها وتجاوزها.
وبالعودة، فإن كتاب هايدغر هذا "مدخل إلى الميتافيزقيا" يعني: أنه مدخل أو مقدمة لطرح السؤال الأساسي لسؤال الوجود، وهذا السؤال مثل البارقة الفكرية التي قادته إلى الخوض في الماورائيات الكونية في مهمة شائكة وصعبة... هي فلسفية، سعى الفيلسوف هايدغر إلى متابعتها إنطلاقاً من هذا السؤال المُتَيَّه: لماذا كان هنالك وجود الموجودات بدلاً من العدم؟ وهو بالنسبة له ليس سؤالاً عادياً، فهو السؤال الأول من حيث المكانة الفلسفية من بين الأسئلة الأخرى. إقرأ المزيد