تاريخ النشر: 01/03/2014
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:أي "إسلام" ورث الميادين؟ جزلة بين مخاطر الفتن في المشرق العربي.. أخيراً صار الشارع في المدن العربية والبلدات والأرياف، للناس.. كل الناس، العمال البسطاء والمثقفين، أصحاب المهن والموظفين، أبناء البيوتات والرعاع، الأطباء والمهندسين والمحامين والذين على باب الله. لم يعد الشارع للشرطة والفراغ المزدحم بالعابرين ومواكب السلطان. فجأة صار ...الشارع مصدر القرار. ولكن هؤلاء الذين نزلوا إليه، على حين غرة وبغير اتفاق مسبق، لم يكونوا يحلمون، بل كانوا يريدون التغيير مع نقص في الثقة بأنهم قادرون على اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه.. فهم ليسوا مع نقص في الثقة بأنهم قادرون على أتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه.. فهم ليسوا واحداً، وليس اجتماعهم دليل اتفاق على ما بعد لقاء المصادفة. لا بد من أن يتعارفوا لا بد من أن يناقض بعضهم بعضاً لاكتشاف المشترك والمختلف عليه وحدود الاختلاف.. فلا هم يأتون من ماض سياسي واحد، ولا في أذهانهم صورة محددة للخطوة التالية، والأخطر أن الوقت لم يتح لهم منطلقها الفكري وكان لها سياقها العملي في مواجهة نظام السلطان، بامهادنة والمواجهة، بالسجن والنفي والاسترضاء بالنيابة والمشاركة الهامشية..
في حين أن البعض الآخر يأتي مثقلاً بقرارات وأحلامه للقفز إلى الذرى الديموقراطية بإرادة "الميدان" معززاً بإسناد الديموقراطيات الكونية بزعامة الإدارة الأمريكية - من قبل، وفي الماضي القريب، كانوا ينزلون إلى الشارع بالعاطفة، مرة وبالأمر مرّة ثانية: تنزلهم فلسطين في تظاهرة عضب على تقاعس أنظمة السلاطين وجبنها وعجزها عن مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية التي تخطت القدس والضفة والقطاع إلى عواصمهم ذاتها، بل وإلى ما خلف العواصم وخلف الدولة. أما المرة الثانية فحين ينزلهم السلطان في تظاهرة تأييد له ضد "الآخرين"، دولاً وأنظمة متآمرة، أو جهات مشبوهة ربما كانوا "هم" تلك الجهات، فيها أو معها في ذهن السلطان! إلى أين من هنا! ذلك كان السؤال المعجّز، بعد أن افتدى النظام نفسه برأسه! أما أهل النظام فقد صادروا الميدان: ها قد نجحتم فأسقطتم الطاغية! مبروك! أنجزتم مهمتكم المباركة، فارتاحوا ودعونا نستنقذ الدولة! الدولة ضرورة حياة بل هي مصدر الحياة.
سنحمي نحن الدولة، واذهبوا فاتفقوا على نظامكم العتيد! أفرغ الشارع من أهله في العديد من العواصم العربية، فاحتلّه الجدل: في ثلاث من أربع دول عربية نجحت فيها انتفاضة "الميدان" في اسقاط النظام، ضاع "النصر" وسط الزحام وحلّ محلّه القلق والضياع وعدم وضوح صورة النظام البديل، وبالتالي افتقاد القدرة على اقامته بالسرعة المطلوبة وبالحزم الضروري.
وحدها تونس تبدو وكأنها تخطّت المأزق مؤقتاً ربما لأن نظام بن علي قد اختار أن يخرج إلى ثروته، خصوصاً بعد أن خذله الجيش الذي تبدّى أن "قيادته" الفعلية كانت في "الخارج" أكثر مما كانت في قصر قرطاج، ثم أن "ورثة" بن علي الذين عادوا من المنافي البعيدة كانوا قد وجدوا الوقت لتنظيم صفوفهم في ظلّ رعاية لم تتأخر في الإعلان عن ذاتها، ولا هم ترددوا في إعلان عن برنامجهم من قلب واشنطن، مقدمين نسخة معدلة من برنامج الإخوان المسلمين في طبعة غريبة منقحة ومزيدة، تطمئن باريس أولأً ومن خلفها الغرب كله، عبر تركيا أردوغان وقطر الشيخ حمد وبركاته المؤكدة بالحقائب السمينة! ولعل مما ساعد النظام الجديد على الخروج إلى النور، بهدوء نسبي، أن تونس "دولة هاشمية" وأن نظام بورقيبة قد نجح في ابتداع "خلطة" مدنية ترضي المزاج الغربي من دون أن تشكل خروجاً على أصول الإسلام.
هذا فضلاً عن أن نظام بن علي قد سقط بسرعة قياسية، وقبل أن تتفكك المؤسسات أو تنهار، وظل الجيش حارساً للانتظار العام، وهكذا بقيت "الدولة" حاضرة، وأمكن انجاز انتخابات النظام الجديد بالحرس القديم ذاته مع تبديل في "الرؤوس" مشفوعاً بتعهدات صارمة بأن تبقى تونس ما كانته، وأن تستمر "السياحة" المصدر الأول والأهم المدخل القومي برضا أهل الشرع والقيمين على الدين الحنيف، وقد عدوا الأن في مركز القرار، بالمقابل فإن محاولة استنفاذ "النظام" بإسقاط رأسه قد تكررت في مصر، فتمت إزاحة حسين مبارك، بأقل الخسائر الممكنة، ثم فتح الباب أمام استنزاف "الميدان" بمسلسل من التدابير الهادفة إلى إرجاء "القرار" في انتظار أن تستعد القوى المؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية.. لخوض الانتخابات! أثيرت قضايا شائكة بغير حصر، وطال الجدل حول دور الجيش وعلاقة الجيش بالميدان والدستور وهل يكون أولاً أو تسبقه انتخابات مجلس الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة، بل أن الدستور ذاته صار موضع حوار طرشان.
وتاهت الحكومات البلا صلاحيات في غمار الجدل، أسْقِط رأس الأولى وجيء برأس مستعار، ثم بثالث مستعار من الماضي.. أما في ليبيا.. فكان لا بد من إنقاذ سريع لا يتوفر من الداخل ولا من المحيط.. وهكذا تبرعت جامعة الدول العربية بالفتوى، فكان اللجوء إلى مجلس الأمن.. ولا يهم أن تصل أعداد الضحايا إلى أكثر من ستين ألفاً.. لمن القيادة الآن؟ للمجلس الانتقالي أم للحكومة المؤقتة أم لمجلس زعماء القبائل؟ وأين موقع الإسلاميين.. وفي ظل الشعار الديني تزداد معركة التغيير صعوبة وتعقيداً.. من هنا يتشعب الحديث عن سوريا ومستقبل النظام وينحدر فجأة إلى مخاطر الحرب الأهلية ذات الشعار الطائفي الصريح.. ومعروف أن جراح لبنان لما تلتئم بعد.. لكن عراق ما بعد الاحتلال لم يعرف قيادة وطنية جامعة.. يمكن القول باختصار أن الاحتلال الذي ورث الطغيان قد أورث العراق للفتنة الأهلية (...)
لعل الصحافي طلال سليمان أوغل في استشفافاته ورؤيته لقضايا العرب والعروبة والسلكة والمتسلطين والثورات والثائرين، وذلك مع بزوغ شعار الربيع العربي لثورات تاهت عن الثائرين لتأخذ مناحي منايرة. يمضي طلال سلمان في تحليلاته طارحاً مسألة فلسطين وغيابها عن الشعار الديمقراطي، مكرساً الجزء الأكبر من تحليلاته السياسية المعمقة للحديث عن الأزمة التي تمر بها مصر وجامعة الدول العربية والدول النفطية.. ورؤيته واضحة: شعوب عربية تسعى في ثوراتها نحو ربيع عربي.. وحكام عرب يغردون خارج سرب العروبة. إقرأ المزيد