استباحة دم الإنسان في عصر الصورة ؛ دراسة في الدم والقتل والوحشية
(0)    
المرتبة: 73,355
تاريخ النشر: 14/02/2012
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:إذا كان للدم تعريف علمي واحد، وتفسير محدد لا تختلف حوله القواميس الطبية والعلمية، فإن مفردة الدم قاموسياً كلفة ودلالة تحمل من المعاني العديد من التنويعات اللغوية والمجازية، بما فيها مصطلح الدم العرقي النبيل والدوني، وإن كان معروفاً أن لون الدم الأحمر أو القاني يبقى واحداً في جسد الإنسان ...وشرايينه مهما تعددت الأعراق والأجناس؛ ويبقى محركاً فعلياً لحيويته وصحته، فكلما انتكس الدم الإنساني لدى السفاحين والقتلة مجرد بقعة من المياه الداكنة الحمراء، الملقاة على الأرصفة والطرقات، والمثقلة بالمأساة والتشفي، بل حتى في أجمل قاعات المجتمع المخملي أحياناً يتناثر الدم، حيث بإمكان رجل مهووس تفكير صفو الناس بفزع قد يتحول لدى البعض كابوساً ليلياً يراودهم مدى الحياة.
لقد حملت ثقافات الشعوب وتراثها البعيد نظرة متناقضة للدم الإنساني، بل وتحجز الإنسان أن يفهم غموض تلك الأبعاد الميثولوجية لتلك الرؤية المتضادة للدم بين منظوري القدسية والدنس، فكان عليه أن يعود لإنتاجها من قيم ونظرات وعقائد وطقوس تصل درجة التطهر والقداسة والتحريم.
وتشير مفردة الدم قاموسياً في لسان العرب إلى كلمة دمم وتعني: دمّ الشيء بدمة دمّا: طلاه، والدمام: الطلاء بحمرة أو غيرها: والمدموم؛ الأحمر؛ ويتفق العرب والأغريق والإنكليز بأن الدم مادة سائلة تحمل من النعوت والأوصاف دلالات عدة... ومهما يكن من أمر فإن الأساطير تحمل للإنسان حكايات وقصصاً عن الدم الإنساني، الذي استباحته يد الإنسان ضد أخيه الإنسان، بينما حاولت كل الديانات أن تمنع الإنسان من التورط به، محذرة الإنسان عاقبة الدم وبضرورة الإمتناع عن سفكه، فجميع الثقافات والديانات في العقائد المختلفة نظرت إلى الدم بأنه قدسي، وتلاحق الإنسان اللعنة كلما سكب زوراً وعدواناً.
إلا أن مفردة الدم تحوّلت في العصر الحديث إلى مصطلح سياسي، فمفهوم التغيير تعني "تجديد الدماء" وهي مفردة للتدليل على السلوكية قدمها همنغواي في قصة الفراشة والدبابة، بقوله في سنوات الحرب الأهلية الأسبانية، كما هو مصطلح ثقيل الدم وخفيف الدم، إذ قال المدير: اسمع. من النادر أن يحدث هذا. خفة دمه تصطدم بثقل الحرب كالفراشة...
وإلى هذا، يبدو هذا الموضوع... موضوع الدم مستغرباً تناوله... إلا أنه وعلى غرابته مثير للتساؤل... فماذا يمكن أن يُكتب في هذا السياق... والعالم يغرق في بحار من الدماء؟!... وحول هذا يقول الكاتب "راودتني فكرة الكتابة في هذا المجال (دم الإنسان في عصر الصورة) منذ وقت طويل... غير أن حمام الدم اليومي في العراق كان هو المصدر الأساسي للمباشرة بتنفيذ الفكرة...
غير أن الإتساع المستمر في أفغانستان ودارفور وباكستان وأمكنة أخرى عالمية عدة جعلت من مفردة الدم موضوعاً سائداً في الخطاب اليومي لوكالات الأنباء وللساسة ورجال الفكر والأدب، حتى بدا الدم مقولة أعمق من كونها حالة بيولوجية وتراثية مقدسة في حياة الإنسان البدائي... وإنما الدم في حياتنا اليومية حالة فينومينولوجية تحولت من حالة سوسيو - سياسية وأثنولوجية نتعامل معها إعلامياً، فقد التصقت الكلمة بالبعد الرمزي والدلالي في الأدب والمشهد الحسّي والبصري، كما هي في الإعلام والصحافة في زمننا المتوتر.
من هنا، يحاول المؤلف من خلال طرحه لهذا المفهوم معالجة موضوع الدم الإنساني منذ أن كان الدم مسألة مجهولة المعنى إلى أن تحول إلى مفهوم مقدس ونجس وقرابين عند القبائل البدائية والآلهة الجديدة، ثم بات يحفظ ويحزن للحالات الطارئة والضرورات في البنوك الخاصة والمستشفيات، حتى صارت مفردة الدم متنوعة في الدلالات والرموز في ثقافتنا، وعلى النقيض من ذلك الوجه الإنساني المرهف الذي يسفك دم الإنسان مجاناً، ويُشاهد في عصر الصورة ينزف كالذبيحة فترتعش المشاعر كما يرتعش الإنسان المصاب بفوبيا الدم. إقرأ المزيد