تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة
نبذة نيل وفرات:"عندما تلقيت نبأ رحيل صديقي علي، بقيت لأيام، لا أصدق أنه رحل نهائياً وإنني لن أراه في القادم من الزمن، وقفت على جثمانه، فخيل إليّ للحظات، أنه يغط في نوم عميق، كان صديقي علي كثير الأسفار، وكنت أسد مسدّ غيابه بالعمل في إدارة محلاته العامرة في سوق المدينة الرئيسي.
في ...تلك السنوات، كانت السوق فتنة كما يقولونه فيها الكثير من الخير والكثير من الشر، لكن صديقي عليّ كان مع الخير دائماً، تعلمني وأنا أتلقى من يده مفاتيح المحلات والمخازن، الأمانة في التعامل والصدق في القول، والوفاء للناس الأخيار.
كان صديقي عليّ يذكرني في كل مرة، بأن الله تعالى يرانا في علاه، ومن العبث أن نكون صغاراً في نظره تعالى، ووجد من يحاول صديقي عليّ ويزين متع الدنيا فيتسم إبتسامته الحلوة التي يعرفها كل من السوق، ويقول وهو يضرب على صدره في موضع القلب: شريطة أن يكون هذا سليماً... كنت حين أكيل للناس بضاعتهم، ينهض من مكانه، يطرح مسبحته وعباءته ويحدق بإهتمام وتركيز في حركة الميزان، كان يخشى التطفيف كما يخشى الإنسان مرضاً معدياً، يوكزني في كتفي، ويشير برأسه أن أضع المزيد، كنت ألمح نظرات الرضا والإعجاب في عيون المشترين الذين سرعان ما يبعثون لنا متبضعين آخرين معجبين بأمانة صديقي عليّ، يقول لي حين أفرغ من الميزان نافضاً ملابسي مما علق بها وهو يلوح بأصبعه أمام وجهي: ويل للمطففين... ويرد وكمن يحدث نفسه: لا تخبسوا الناس أشياءهم.
شرعت أحاديث صديقي عليّ تتغلغل إلى روحي، فكنت أخشى على نفسي من حفنة حمص يابس أو مقدار قليل من العدس أو الرز حتى يأذن لي في ذلك ويبارك لي فيه... كان يعلمني الحكمة في شؤون الحياة والبيع والشراء، كنت أتأمله فأجده جلداً صلباً راسخ الإيمان، وكنت أتطلع إلى معرفة أسرار نفسه فلا أجده يبوح بشيء، وشرع يصطحبني في سفراته، فاستغربت منه ذلك، كان يضعني إلى حوار، في سيارته الخاصة، وكان يدندن منشرح الصدر، حاولت مرة أن أتحدث عن تعامل بعض التجار في السوق، فتبسم طالباً مني أن أروي له آخر نكتة، استغربت ذلك، قال الضحك يا صديقي أفضل من إغتياب الناس...
مجموعة قصصية ترسم صوراً في الحياة، يمضي الكاتب بأسلوبه الممتع ودون تكلف وبتلقائية ليروي حكايات هي على بساطتها تعكس وبعمق الواقع الإنساني بأفراحه وأتراحه، بآماله وآلامه... ببساطته وعقده. إقرأ المزيد