تاريخ النشر: 01/01/1992
الناشر: دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:سئل كونفوشيوس منذ ألفين وخمسمئة سنة تقريباً: ماذا تفعل لو وليت الحكم؟ فأجاب: لو أتيح لي أن أحكم لبدأت بإصلاح اللغة. لقد اعتبر حكيم الصين، عن حق، أن اللغة وعاء الفكر، وأن على من يريد إصلاح الفكر أن يبدأ بإصلاح لغة الفكر. فمصلح اللغة، أو ميسرها، لا يقل شأناً ...عن المصلح الاجتماعي، ليس لأن الإصلاح اللغوي يستتبع إصلاحاً فكرياً وحسب، بل أيضاً لأن من يوفر على كل تلميذ ساعة واحدة مما ينفقه في تعلم مادة ما يوفر على الأمة في الجيل الواحد أعماراً وأعماراً.
من هذه الزاوية انطلق الدكتور "إميل يعقوب" في دراسته نحو دعوات الإصلاح اللغوي متمنياً أن يحذو حذوه بعض الباحثين، فيخلصوا بعد البحث الدقيق إلى وضع أسس لدعوة إصلاحية تشمل نواحي اللغة كافة من نحو، وصرف، وخط، وإملاء، وأدب، وبلاغة. ومجال الإصلاح رحب في اللغة العربية، خاصة بعد أن وضحت معالمه بفعل ما شهدنا في العصر، من طرح لمشاكل اللغة، ومن اقتراحات، بالتالي، لمعالجتها.
وبسبب هذا كله، ونظراً إلى عاناة في تعلم النحو عندما كان على مقاعد الدراسة، وفي تعليمها عندما كان مدرساً في بعض المدارس الرسمية، اتجه في دراساته العليا نحو دعوات تبسيط اللغة العربية بعامة، وتبسيط النحو العربي بخاصة، فكتب بحثاً بعنوان: "آراء إبراهيم مصطفى في تبسيط النحو العربي" نال على أساس شهادة الماجستير في اللغة العربية. بعد ذلك قام بتدريس النحو العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الفرع الثالث) في الجامعة اللبنانية، وكان باب الممنوع من الصرف من الأبواب النحوية التي درسها لطلاب السنة الثالثة في قسم اللغة العربية، فوجد بعد سبع سنوات من التدريس أن طلابه لا يصلون إلى الإحاطة بمسائل هذا الباب النحوي، على الرغم من أسابيع طوال أمضاها في شرحه، ومن تبسيط أسلوبه في التدريس، وتمهله في الشرح، وذلك لكثرة التعليلات النحوية في هذا الباب وصعوبتها، ولكثرة التفريعات، واختلاف الآراء واللهجات بالنسبة إلى مسائله.
و"الممنوع من الصرف" هو الممنوع من التنوين، أو الممنوع من نوع منه هو تنوين الأمكنية، أو الممنوع من التنوين والجر بالكسرة، على اختلاف النحاة في ذلك كما سيفصله في الفصل الأول من كتابه هذا.
أما اختياره "الممنوع من الصرف بين مذاهب النحاة والواقع اللغوي" عنواناً للبحث، فيعود إلى أسباب عدة: أولها الدلالة، بشكل مباشر، على الهوة الكبيرة التي تفصل بين مذاهب النحاة في الممنوع من الصرف والواقع اللغوي فيه، وبشكل غير مباشر على أن صعوبة باب الممنوع من الصرف إنما تأتت من هذه المذاهب لا من الواقع اللغوي. وثانيها الرغبة في استكمال أبحاثه في تبسيط اللغة العربية بشكل عام، والنحو العربي بشكل خاص. وثالثها إرادة التخلص من مقولة "العلة النحوية" في الباب النحوي الوحيد الذي ما زال يدرس على أساسها، وذلك أن النحاة المحدثين أدركوا، عن حق، بطلان نظرية التعليل النحوي، وعدم جدواه على الأقل بالنسبة إلى طلاب العربية قبل المرحلة الجامعية، فحذفوا كل ما يتعلق بها من كتب القواعد التي تدرس في الصفوف الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، واستثنوا باب الممنوع من الصرف من هذا الحذف، وكأنهم أرادوا الإبقاء على نموذج من التعليل النحوي، تماماً كما يفعل بعض المعتنين بشؤون الحيوان بالنسبة إلى الحيوانات التي تكاد تنقرض. ورابع هذه الأسباب يعود إلى رغبته الشديدة في كتابة هذا البحث عله يستطيع تبسيط هذا الباب النحوي، فيقدمه لطلاب العربية سهلاً مبسطاً خالياً من تعليلات النحاة الفلسفية، واختلافاتهم الجدلية التي لا تصوب تعبيراً ولا تخطئ آخر، فيكون قد قدم خدمة صغيرة للغة وطلابها على حد سواء.
أما المنهج الذي أخذ به في كتابه هذا، فقد اقتضاه عنوان البحث وطبيعة الدراسة، فمذاهب النحاة المختلفة نشأت بفعل المنهج التعليلي، أما عرض "الواقع اللغوي" كما حددناه فلا يكون إلا على أساس المنهج الوصفي.
وهكذا جمع بين المنهجين دون أن يأخذ إلا بالثاني، وقد أتاح له هذا الجمع أن يقارن بينهما، فتبين له فساد التعليلات النحوية بشكل عامـ وتعليلات الممنوع من الصرف بشكل خاص، كما خلص إلى نتيجة مهمة مفادها أن صعوبة النحو العربي عامة وصعوبة باب الممنوع من الصرف خاصة، إنما كانتا بفعل مذهب النحاة الفلسفي التعليلي، لا من نحو اللغة العربية نفسها.
وكان من الطبيعي أن يبدأ بحثه بفصل يعرف فيه التنوين والصرف والممنوع من الصرف لينقل بعده مباشرة، وفي فصل تال، إلى عرض التعليل بعامة، وعلل الممنوع من الصرف بخاصة، وهذه العلل هي التي على أساسها تناول النحاة باب الممنوع من الصرف، فقسموه، وفرعوه، وفلسفوه، وعقدوه. ثم عرض في فصول أربعة مستقلة وبشكل مفصل، كلاً من الجمع المماثل لـ"مفاعل" و"مفاعيل" والملحق به، والمنتهى بألف التأنيث، والوصف الممنوع من الصرف، والعلم الممنوع من الصرف. وخصص الفصل السابع لحكم الممنوع من الصرف إذ صغر أو خفف، والفصل الثامن لحكمه إذا كان منقوصاً، والفصل التاسع لصرف الممنوع من الصرف ومنع المصروف من الصرف في الشعر العربي، واللهجات العربية المتعددة، ومذاهب النحاة المختلفة. وختم بحثه بفصل عرض فيه دعوات تبسيط باب الممنوع من الصرف، وبخاتمة أوجز فيها خلاصة البحث ونتائجه. وألحق بذلك كله ملحقاً تضمن فصولاً من كتب نحوية قديمة في باب الممنوع من الصرف، وبخمسة فهارس فنية تناولت الآيات القرآنية، والشواهد الشعرية، والأعلام، والمصادر والمراجع والمحتويات.
وهكذا جاءت فصول بحثه مبنية في أساس تقسيمها، لا على أساس التعليل النحوي الذي على أساسه قسم النحاة الممنوع من الصرف إلى ممنوع لعلة واحدة وممنوع لعلتين اثنتين، بل على استقلالية كل فصل، بما يتضمنه، عن غيره من الفصول. وقد جاء تسلسل هذه الفصول بشكل يأخذ بعضها برقاب بعضها الآخر، كل ذلك في استقلالية ذاتية، وارتباط عضوي ضمن وحدة تكاملية شاملة.
وأكثر اعتماده كان على المصادر النحوية القديمة لا على المراجع النحوية الحديثة، لأن الأولى هي الأساس، وإليها يرجع الباحثون ومعدو كتب النحو الحديثة. إقرأ المزيد