إشكالية المنهج في دراسة الفلسفة الإسلامية
(0)    
المرتبة: 91,959
تاريخ النشر: 01/01/2003
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:منذ بضعة قرون والحضارة الغربية الحديثة تتمدد خارج إطارها الجغرافي شرقاً وغرباً، فتحتل الدول، وتلتهم الثورات، وتذيب الثقافات لصالح ثقافة واحدة. وقد تم كل ذلك، وما زال يتم، في إطار من الصراع والتناحر كانت الغلبة فيه بوجه عام للطرف الغربي الأقوى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
وحينما بدأت الدول الغربية احتلالها للعالم ...الإسلامي شكلت الهوية الثقافية والحضارية معتركاً حقيقياً للصراع بين الطرفين، إذ لاحظ الغرب أنه لا يمكن التمتع بثمار النصر العسكري والهيمنة السياسية طويلاً طالما بقيت الأمة معتصمة بدينها، وثقافتها، ومخزونها التراثي. فهذه تشكل منجماً للقوة الروحية الكامنة، والقادرة على تعبئة الشعوب ودفعها نحو المقاومة والمنازلة من جديد، وهو ما حصل مراراً. ولذا دأبت الدول الاستعمارية على تحظيم ثقافات الشعوب وتفكيكها أو تذويبها، وكانت للمسلمين في ذلك حصة ثقافات الشعوب وتفكيكها أو تذويبها، وكانت للمسلمين في ذلك حصة الأسد، باسم التقدم، والتحديث، واللحاق بركب الحضارة، وغير ذلك.
من هذه الزاوية طرحت العلاقة مع تراثنا بوجه عام، والفلسفي منه بوجه خاص، إذ لم يكن التعامل معه محايداً أو موضوعياً، وإنما خضع لأحكام مسبقة، ونظريات جاهزة، أو بتطبيق مناهج لا تتفق والنسق العرفي للعلوم الإسلامية. وقد شكل الاستشراق رأس الحربة في هذا المشروع الذي جهد في ربط الفكر العربي والإسلامي بمسارات الفكر القديم السابق على الإسلام، وبخاصة الإغريقي منه، هادفاً من وراء ذلك إلى نفي صفة الإبداع والأصالة عنه، لأنه في نظرهم، لا يعدو أن يكون نسخة لما سبقه من علوم وأفكار!
وهكذا تم اختزال عشرة قرون من الحضارة الإسلامية التي ازدهرت وسادت في العصر الوسيط إلى مجرد مرحلة قام فيها المسلمون بدور النقل للفكر اليوماني وتعريفه لأوروبا التي بنت عليه أساس نهضتها الحديثة، متجاهلين الآثار الكبيرة التي تركها العلماء والفلاسفة المسلمون في نشأة وتطور الكثير من العلوم التجريبية والرياضية، والفلسفة العقلية التي حمل لواءها ابن رشد وغيره من الفلاسفة المسلمين، والتي ترددت أصداؤها بقوة عند اللاتين.
وللأسف فإن عدداً لا يستهان به من الباحثين العرب والمسلمين قد تأثر بذلك المنهج وروج له له بشكل مباشر أو غير مباشر منذ القرن التاسع عشر، حينما دعا هؤلاء إلى القطيعة مع الماضي والالتفات للمستقبل الذي تمثله الحضارة الغربية التي يجب تمثل مناهجها ف يالتفكير وطرقها في الحياة.
ولا يختلف عن أولئك كثيراً من تعامل مع التراث وأقر به كحقيقة واقعة، لكنه أخضعه كمادة جاهزة لأدوات التحليل الماركسي، أو البنيوي، أو الفينومينولوجي، وغيرها، الأمر الذي أدى إلى ضياع حقيقته بين ركام المناهج الغربية التي قد يصح تطبيقها في محيطها الطبيعي الذي نشأت فيه، لكنه لا يصدق بالضرورة على ظواهر فكرية أو روحية نشأت وترعرعت في بيئات حضارية أخرى.
من هنا كانت فكرة هذا الكتاب الذي ركز على دراسة الظاهرة الفلسفية عند المسلمين، وتجلياتها العقلية والروحية المتنوعة، ومنهجيتها الخاصة التي تميزها عن غيرها من الفلسفات، وسبقها في ميادين البحث العلمين ودورها في بلورة المشروع الحضاري للأمة. إقرأ المزيد