الأعمال الشعرية الكاملة - سنية صالح
(5)    
المرتبة: 10,122
تاريخ النشر: 12/08/2008
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:سنية صالح من الشعراء الذين علّقوا الخط الفاصل بين مستوى الشعر ومستوى الحياة. مع ذلك لا يمكن أن نعرف شعرها استناداً إلى حياتها، ولا نقدر أن نكتب حياتها إنطلاقاً من شعرها، مهما كانت الوشائج بين المستويين. لأن لسنية صالح كيمياءها الشعرية الخاصة شأن الشعراء الحقيقيين. شعرها قد وضع معنى ...حياتها في مدار العام الإنساني وأعطاه بعداً جديداً، بل كشف في ذلك المعنى عن ماهية مختلفة وإن لم يمح ظلال تلك الحياة.
خطوط من حياة: ولدت سنية، بنت فاطمة شريف وخليل صالح، في بلدة مصياف بسورية يوم 14 نيسان/أبريل 1935 وتوفيت بدمشق في 17 آب 1985. كانت البنت الثانية في الأسرة. وهي تقول في مذكراتها، "ولدت لأبوين عائدين من دفن ابنهما الذكر الوحيد"، وتكون بهذا التعبير قد ربطت ولادتها بخيبة وفقدان.
لم تكد سنية تكمل الثالثة من عمرها حتى أصيبت أمنا بإلتهاب شديد إمتد إلى أذنيها وفقدت على أثره السمع. كانت أمنا تتألم وتقول إنها لا تعرف كلام سنية. وحالة الأم هذه لم تشجع سنية على الكلام، حتى إنني أنا نفسي لا أكاد أذكر من كلامها في تلك السنوات الأولى إلا ما يعبر عن حاجة.
وضع الأم الصحي والزوجي دخل في تطورات وتعقيدات عائلية أوصلت الأمور إلى الطلاق. وما تلا من الوقائع، وموت أمنا بعد ذلك، هذا كله كنت أظن سنية قد نسيته أو أنها لم تفهمه، لأننا في حياتنا معاً كنا ندور حول تلك المرحلة ولا نذكرها بل نتحاشاها كأنها لم تقع.
وظلّت سنية قليلة الكلام شديدة الحياء خلال بضع سنوات. كان ميلها إلى الصمت ملفتاً، وإن لم يكن بالطبع صمتاً كاملاً، إلى أن بلغت العاشرة من عمرها وبدأت نتائجها المدرسية تبرز قدراتها. لكنها كانت باستمرار تنطوي على جرح سري تتحاشى الإشارة إليه.
وبالفعل لم يكن صمت سنية خالياً أو مقفراً. كان الصمت ينحني على أسراره وآلامه وأخيلته ويكتشف. كأنه صمت من رأى ولم يجد لما رأى تعبيراً. كانت وراء جدار الصمت وام نكن نعرف ما يجري في ذلك العالم.
وفي قصيدة "شام، أطلقي سراح الليل" نكاد لا نعرف من خرج من جوف الآخر، الأم أم الإبنة؟
أما حياة سنية في مجال العمل فلم تصلح الأمور. لم تجد إلا وظيفة هزيلة بليدة مكتبية لا علاقة لها بأي شيء من حياتها وأحلامها. ولم تشف من الشعور بأنها في غير مكانها.
هل وقائع حياة الإنسان تهوى التشابه والتكرار؟ لقد انتهت هذه الحياة الغريبة بمرض عضال. ولم تكن سنية تملك لا هي ولا أي فرد من أسرتها أو أسر إخوتها وسائل العلاج. وفي سياق هذه الحياة القاتمة القاسية نفهم ما عنته لسنية التفاتة السيدة أنيسة مخلوف الأسد وإرسالها لها للعلاج في فرنسا. كان ذلك إستثناءً فريداً عجيباً في سياق حياة مأساوية. وكانت سنية قبل ذلك قد طرقت أبواب عدد من المؤسسات، من اتحاد الكتاب إلى وزارة الثقافة وغيرهما، ولم تحظ بمجرد بحث للملف، ولا حتى بجواب، وأحياناً لم تحظ حتى بإصغاء.
مع هذا كله لا نستطيع أن نحصر الألم في شعر سنية صالح ببعده المباشر. ولا مناسبة هنا لمشاعر الشفقة التي يثيرها هذا المستوى من الألم، وهو ألم لم يتمثل في شعرها إلا في أفق إنساني شاسع. الألم في شعرها هو إنكسار الحلم. إنه عطب يحمله العالم في وعينا ويحمله جسدنا كخطر كامن ودمار مضمر. ليس الوجع الجسدي العضوي، وإن كان هذا الأخير واحداً من مستويات الألم، لأنّ الجسدي هو الأكثر مباشرة وقابلية للشفاء. الألم الذي تجلّى في مجموعتها الأخيرة "ذكر الورد" هو تصدّع الصورة التكوينية للعالم، لأننا لا نقدر أن نعقل العالم بلا صورة كلية ووشائج. الألم هو الإقامة الخطرة في العالم. هو رؤية المواكب الإنسانية المسحوقة، هو قلق الإحساس بالذات والإحساس بارتجاج موقع الذات ومرتكزها وأفق حضورها. وهي قد صارعت الموت بقوة حبها لطفلتيها وبقوة الشعر. كان الشعر الضوء السري الذي، بقدر ما يكشف هول الصراع في التجربة، يقدم المعاني الخلاصية.
قصائد ديوانها "ذكر الورد" كتبت جميعها أثناء المرض. كانت تكتب في كل الحالات، حتى مع العلاج الكيميائي؛ علماً بأنها قد أسقطت قصائد عديدة مما كتبت، بينها قصيدة "ثوب الهواء" التي أعيد في هذه المجموعة الكاملة نشر مقاطع منها، لما فيها من إشارات واضحة إلى بعض ذكريات سنية عن أيام الطفولة، وقد نظمت بنفسها مجموعة "ذكر الورد" وكتبت لها مقدمة تتناول رؤيتها للشعر. وهي التي اختارت العنوان وكتبت الإهداء وألحّت على نشره بحرفيته.
لقد كان الشعر شطراً صميمياً من حياتها. كان وصيتها وصوتها الذي يبقى.نبذة الناشر:عاشت مغلّفة بيقينها الشعري، متعلقة بالأمل الذي يجيء من لدن الشعر، بل لائذة بعصمة الحقائق الشعرية وببهاء هذا العالم الذي أعطاها مفتاحه وأجزل الوعود، كانت معتدّة بهذه العلاقة الخصوصية بالشعر، بل بالعلاقة شبه السرية مع الشعر، بعيداً عن المنابر والأضواء والعناوين. كان الشعر وعدها وعزاءها ومفتاح السر. ونكاد لا نلمس مرارة أو خيبة إلا في قصيدتها الأخيرة "غراب يطلب الغفران" التي تنتهي بعبارة مبتورة: "العاصفة سحبت خيط الكلام من فمي، ملوّناً بالدم منذ ملايين السنين قلت..." لا أعرف إن كانت لو أمهلها الموت ستكمل العبارة، أم لعلها تركتها لتعلن أنها حملت اللامعقول إلى عالم الغياب؟. إقرأ المزيد