تاريخ النشر: 31/12/2007
الناشر: خاص
نبذة نيل وفرات:للكتب تاريخ كتاريخ الأشخاص، وحياة لا تخلو من صعود وهبوط. ورب كتاب يولد ميتاً، وآخر تقدر له حياة طويلة عريضة. و"كتاب الشفاء" من بين تلك الكتب ذات التاريخ الطويل، فإن مولده يرجع إلى نحو خمسين وتسعمائة سنة خلت، وليس حظه بأقل من طول أجله. وقد تكون هناك كتب أسن ...منه، ولكنها لم تزد عليه في بعض العصور تأثيراً وتوجيهاً للأفكار. وفي تتبع هذا التاريخ الطويل ما يكشف عن أمور لها شأنها، وما يعرفنا بهذا الكتاب أصدق تعريف.
يحدد ابن سينا موضوع كتابه، فيقول إن غرضنا منه "أن نودعه لباب ما تحققناه من الأصول في العلوم العقلية المنسوبة إلى الأقدمين، المبنية على النظر المرتب المحقق، والأصول المستنبطة بالإفهام المتعاونة على إدراك الحق المجتهد وفي الحق أن الكتاب شامل شمولاً لا نظير له فيما وصلنا من كتب فلسفية، فهو ينقسم إلى أربع جمل رئيسية: المنطق، والطبيعيات، والرياضيات، والإلهيات، وتحت كل جملة فنون، وكل فن مقالات، وكل مقالة فصول. هذا هو التقسيم في عمومه، أما تفاصيله فتشتمل على دراسات متنوعة وعلوم متعددة. فتحت المنطق نجد الخطابة والشعر، على نحو ما كان يتصور المناطقة في ذلك العهد، وإن كان أطلق بالأدب والبلاغة. وتحت الطبيعيات نرى، إلى جانب قوانين الحركة والتغير، مواد متباينة جمعت في صعيد واحد، وأخصها علم النفس، والحيوان، والنبات، والجيولوجيا. وتحت الرياضيات تدرس الهندسة، والحساب، والموسيقى، وعلم الهيئة. وتحت الإلهيات يعرض مع الفلسفة الأولى شيء من السياسة والأخلاق.
ويتمشى هذا الاستيعاب مع ذلك التقسيم التقليدي للعلوم الفلسفية الذي أخذ به ابن سينا، والذي يصعد إلى أرسطو. وملخصه أن هذه العلوم تنقسم إلى شعبتين: نظرية وعملية، وتشمل الشعبة النظرية الطبيعة، والرياضة، والميتافيزيقي. وتشمل الشعبة العلمية، الأخلاق، وتدبير المنزل، و السياسة. بيد أن فيلسوفنا عني بالرياضة عناية لا نجدها عند أرسطو، فوقف عليها جملة من جمل "الشفاء" الأربع، وعالجها في رسائل أخرى متفرقة.
وقد أدرك أنه لم يدرس علم الأخلاق والسياسة في "الشفاء" الدرس الكافي، وهما جزءان هامان من الفلسفة العملية. فوعد بأنه سيعالجهما في استقلال، وسيصنف فيهما كتاباً جامعاً مفرداً. والواقع أن ابن سينا لم يشغل كثيراً بالعلوم السياسية، وكأنما صرفته السياسة العملية عن الفلسفة السياسية. ولم يكن حظ الأخلاق لديه بأعظم من حظ السياسة، ولعل البحوث التصوفية حلت عنده محل علم السلوك.
ومهما يكن فإن "كتاب الشفاء" أشبه ما يكون بدائرة معارف استوعبت العلوم العقلية على اختلافها، فسبق دوائر المعارف الحديثة بنحو ستة قرون. وإذا كانت هذه قد امتازت بكثرة فنونها وتعدد موضوعاتها، فإنه يعد بسهولة دائرة معارف ملائمة لعصره. وأغرب ما فيه أنه إنتاج رجل واحد، في حين أن دوائر المعارف منذ "ديدرو" إلى اليوم يتضافر عليها باحثون كثيرون. إقرأ المزيد