تاريخ النشر: 01/01/1997
الناشر: دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:ظهر هذا الكتاب في مصر سنة 1923، وهو آخر ما أصدره جبران في العربية. نشرته "مكتبة العرب" التي اختارت هي مادته مما نشره جبران في الصحف في مختلف عهوده، منذ أيام دراسته في "الحكمة"، ما عدا بضع حواريات. ولم يكن لجبران رأي في انتقائها ولا في تسميتها. ضم الكتاب ...مجموعة من المقالات والحكم والقصص والأحاديث تفاوتت قيمتها بين الغث والسمين. كما ضم مجموعة رسوم لأعلام الفكر العربي.
في هذه المجموعة تعليقات صحفية في صيغة متقلقلة وآراء سطحية كما في "ابن سينا"، أو "الاستقلال والطرابيش". وفيها مقارنات بسيطة كالمقارنة بين رائعة ابن سينا في النفس وروائع شكسبير وشلي وغوته وبراوننغ. أما القطع من خواطر وأقاصيص وحواريات التي تتميز بمعناها ومبناها فأهمها:
القشور واللباب، عرض جبران في هذا المقال الطويل انطباعاته الوجدانية، ونظراته الفلسفية في التناقض الظاهر في حالاته النفسية فيما الجوهر واحد. يشرب كأساً مريرة فيجد في الثمالة حلاوة، ويخلع رداءه الذي ستر ألمه فيرى الألم قد تحول بهجة. ويصحو من سكرته فلا يرى بين الناس حملاناً وذئاباً، بل أشباهه من البشر.
نفسي مثقلة بأثمارها، في هذه الخواطر المثالية دعوة إلى التعاطف مع الغير ولكن من عل. فنفسه التي أثقلتها أثمارها تفتش عن جائع لتشبعه، وعن صائم يريحها من عبء نتاجها، إنها من رواسب تأثر جبران بنيتشه فيلسوف "الإنسان المتفوق". ويبدو أن المؤلف لم يجد جائعاً يجني ويشبع، فآثر أن يكون شجرة لا تزهر ولا تثمر وبئراً جافة بدل أن يكون ينبوع ماء حي.
حفنة من رمال الشاطئ، مجموعة أمثال وحكم تمهد لمجموعة "رمل وزبد" (بالإنكليزية)، فيها دعوة إلى نزع القناع الظاهر لاكتشاف الباطن، وإلى التحرر "إذا رأيت عبداً نائماً نبهته وحدثته عن الحرية"، وإلى قول الحقيقة التي تفرض نفسها، لأنها إن احتاجت إلى برهان كانمت "نصف حقيقة".
سفينة في ضباب، هي حكاية رجل آمن بالقرينة، أي بالمرأة الوهمية، التي يعتقد البعض أنها ترافق المرء حثيما حل، ولا تبخل عليه بنصيحة ولا بمعونة. ويروي هذا الرجل أحداثاً غريبة عجيبة في أسفاره عن هذه الرفيقة الخيالية، التي كلما استيقظ من نومه رآها متكئة على مساند سريره، تنظر إليه بعطف الأمومة وكلما حاول عملاً ساعدته على تحقيقه.
وعظتني نفسي، في هذه الخواطر فهل توبة عما جاء في كتابه "العواصف"، من نقمة على البشر، وكره لهم. فإذا هو في حوار ذاتي، يصغي إلى عظة نفسه، فيدرك أنه ليس بأرفع من الصعاليك، ولا أدنى من الجبابرة، وقد كان من قبل يحسب الناس رجلين: رجلاً ضعيفاً يزدريه، ورجلاً قوياً يتبعه أو يتمرد عليه. أدرك أنه من طينة الآخرين وشريكهم، إن أذنبوا فهو المذنب، وإن أحسنوا عملاً فاخراً بعملهم، وهو إن سار بالنور فليس هو النور.
لكم لبنانكم ولي لبناني، إنه فعل إيمان بلبنان جديد، ينفض عنه غبار الحاضر، بل رماده، ليبعث كطائر الفينيق بوجه رائع جدير بالمدينة الفاضلة، التي تحدث عنها الفارابي بعد أفلاطون، أي الوطن الأمثل. ندد جبران بالمخادعة المحجبة بنقاب من ذكاء مستعار يتجر بها السياسيون المحترفون، وثار على الرياء المختبئ في رداء التقليد، الذي يفتش عليه أعداء التطور، واحتقر العبيد القانعين بقيودهم.
أيتها الأرض، قصيدة نثر فيها غزل بالأرض المتشحة بالظل، العذبة الأغاني فيها تمجيد للطبيعة في مختلف مظاهرها في السهل و الجبل، في البحر والوادي والغابة، في جميع الفصول.
البحر الأعظم، للبحر في نظر جبران مفهوم خاص عبر عنه في الكثير من كتاباته. البحر هو اللانهاية، الأم الكونية، والذات الكبرى، والبحر الأعظم يحتضن كل الجداول. هو يصعد الضباب الذي ينعقد قطرات مطر، ثم يسير جدولاً، فتتكرر هكذا العودة الأبدية. عودة القطرة المحدودة إلى المحيط اللامحدود. إنه طريق الحقيقة الأزلية، تنطلق فيه السفينة بالأطهار نحو آفاق تتجاوز الأرض. هذا هو البحر الأعظم الذي نشده جبران بعد أن غادر البحر العظيم.
في سنة لم تكن قط في التاريخ، يعود غلى نظرته في الحب التي عبر عنها في "دمعة وابتسامة" وهي التوق إلى الاتحاد بعد الموت.
مستقبل اللغة العربية، رأى جبران أن اللغة كائن حي لا بد أن تتطور لكي تواكب العصر وإلا اعتراها الجمود وفقدت حيويتها الخلاقة وطاقتها على الابتكار. والمعين الأفضل لإغناء اللغة هو الحوار اليومي. الكلام المتداول أو ما يعرف باللهجات العامية، ولا سيما الأغاني العامية المعبرة عن نفسية شعب من الشعوب وتطلعاته بعفوية وصدق. ورأى أن في الزجل من الكنايات والاستعارات والتعابير الرشيقة ما لو وضع بجانب الكثير من القصائد المنظومة بالفصحى لبان كباقة من الرياحين بقرب رابية من الحطب.
العهد الجديد، يتطرق المؤلف إلى واقع الشرق ويميز بين رجل الأمس ورجل الغد، أي بين الغارق في غياهب التقليد، النائم على أمجاد الماضي، وبين الناظر إلى النور. ويسأل هل أنت تنصر الرجل الأول؟ فإذن أنت مجرم سكنت القصور أم السجون، وهل أنت تؤيد الثاني؟ فإذن أنت محسن تستحق الشكر. ويقارن بين تاجر يستغل حاجة الناس ليجني الربح عن أهون سبيل، وبين رجل جد واجتهاد. كما يقارن بين رئيس دين يعيش على حساب الغير مستغلاً سذاجة الشعب، وبين تقي ورع يرى في فضيلة الفرد أساساً لرقي الأمة. وهذه المقارنة تؤيد وجهة نظره. ويشن حملة على الشاعر الذي يضرب الطنبور أمام أبواب الأمراء، وينثر الأزهار في الأعراس ويسير وراء الجثث الهامدة، ويثني على الموهوب الذي يستولد القيثارة أنغاماً علوية.
الوحدة والانفراد الوحدة جزء من طبيعة الإنسان، لأن حياته جزيرة منفردة بآلامها وأفراحها، وهذا ما يميزه، ولولا هذه الوحدة والانفراد لكنت إن سمعت صوتك ظنتني متكلماً. وإن رأيت وجهك توهمت نفسي ناظراً في المرآة.
إرم ذات العماد، هذه الحوارية هي أهم ما جاء في هذا الكتاب. أرادها المؤلف مسرحية تجري أحداثها في لبنان وأشخاصها: درويش عجمي، وأديب لبناني، وآمنة العلوية المعروفة بجنية الوادي، وهي الشخص الأساس لأنها تمثل نظرة جبران الصوفية أفضل تمثيل.
القصائد، إن القصائد التي وردت في الفصل الأخير من الكتاب لا تزيد شيئاً في مضمونها عما جاء في النصوص النثرية. في "سكوتي إنشاد" يتناول الشاعر التناقض في حالته النفسية بين الجوع والتخمة، والصحوة والسكر. لكن هذا التناقض ليس في الحقيقة إلا من الظواهر لأن الباطن، أي الجوهر، هو واحد..
وفي "من يعادينا" تأكيد على أن هذا التناقض وهم من الأوهام. وفي "يا نفس" طموح إلى تجاوز الفناء لبلوغ الخلود. الوهرة تذبل لكن بذورها تبقى. واتخذ جبران مثل الزهرة دليلاً على الخلود. "حرقة الشيوخ" نداء إلى التنعم بالحياة لأن الشباب لا يدوم. "أغنية الليل" غزل بروائع الطبيعة حيث يحلو الحب ويطيب السمر. "البحر" هو الجامع الأكبر، رمز الوجود الكلي. في "الشحرور" توق بشري إلى محاكاة الطائر في تحرره من القيود، وانصرافه إلى التغريد. في "الجبار الرئبال" فعل إيمان بالبعث والتقمص، إذ الموت صبح يوقظ النائم من غفلته. في "يا بني أمي" لوعة حنين إلى الصبا ونشوة الحب. تتميز هذه القصائد بطلاوة الإيقاع والسلاسة، لكأنها وضعت ملحنة في أصلها فلا تحتاج إلى ملحن. إنها لا تختلف في صيغتها عن "الموكب".
إن العناوين الرئيسية التي برزت في كتابات جبران تتكرر في هذه المجموعة، ومنها بنوع خاص الثورة على التقاليد والتحجر، وعلى البهرج الفارغ، والأنانية الهدامة، والمتاجرة بالقيم الخلقية والوطنية والدينية، وعلى الظلم الاجتماعي. ومنها الكرز بالعودة إلى الطبيعة، إلى ما توحي به من طهر وعفوية وانفتاح.
لقد تخطى جبران ما في لبنان من معضلات، وعقد سياسية، وأغراض وتفرقة، وطوائف وأحزاب وشرائع، إلى ما يلهم من جمال ويثير من أحلام، رآه تلالاً تتعالى بهيبة وجلال نحو ازرقاق السماء، وأودية هادئة سحرية تتموج في جنباتها رنات الأجراس وأغاني السواقي. رآه صلاة مجنحة ترفرف صباحاً عندما يقود الرعاة قطعانهم إلى المروج، وتذكارات تعيد أهازيج الفتيات في الليالي المقمرة، وأغاني الصبايا بين البيادر والمعاصر. هذه النزعة الرومانسية الصوفية تتجلى في الكثير من مادة هذا الكتاب. إقرأ المزيد