ذو الرمة - شمولية الرية وبراعة التصوير
تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة
نبذة نيل وفرات:ذا الرمة ظاهرة شعرية فريدة، فهو قد نبغ في عصر انبعاث الشعر العربي، وظهور مدارسه وتياراته الجديدة، التي احتفظت بجدتها وفرادتها إلى يوم الشعر هذا. لقد مثل ذو الرمة وحده مدرسة متميزة في أسلوبه واتجاهات موضوعاته، التي شكلت نزوعاً جديداً حميماً نحو عالم الصحراء بمظاهر بدويته المعهودة، في عصر ...بدأ واضح النزوع نحو ظواهر المدنية ومظاهرها، التي طبعت بميسمها الحياة الاجتماعية والثقافية والأدبية في العصر، بل انحرفت شرائح اجتماعية واسعة منه في تيار اللهو والغناء وما وفرته الحياة الجديدة من أسباب الدعة والمتعة المدنية.
وإذا كانت مدرسة الغزل العذري -المعروفة بتعلق شعرائها الأبدي بحبيبة مثال -تمثل نمطاً من حياة النقاء والبدوية مشوبة بهاجس ديني يعين على الحياة الصابرة المتعلقة بالمثل العليا، تعويضاً عما كان يخامر نفوس أهل البادية من أمل لم يتحقق في مواصلة حروب التحرير وجني غنائمها والتمتع بفيئها فإن طبيعة ذو الرمة... إذا كانت مدرسة الغزل كذلك على نحو ما لمسه دارسو ظاهرة الحب العذري وفن الغزل العفيف، فإنها أضيق من أن تستوعب رؤى ذي الرمة المغرق في نظرته إلى وحدة الطبيعة وبضمنها المرأة الحبيبة والمتماهي في حياة الصحراء بأسرارها ومواطن سحرها الكثيرة، ومن ثم فإن طبيعة ذي الرمة لا تسعف تياره بأن يندرج تحت تيار الغزل العذري، بخلاف ما يحاول ترويجه بعض النقاد والدارسين.
وما تسعى إليه هذه الدراسة هو ارتياد عالم في الرمة الشعري ودراسته دراسة نقدية شاملة نستكشف مواطن إبداعه وأبعاد رؤيته وروعة لعبه بشغف وشفافية، والاقتراب من عالمه الشعري بأسلوب واع دقيق، مستمداً عناصر منهجه ومقوماته من طبيعة نص ذي الرمة نفسه، فكانت مفرداته متمخضة عن الاستقراء الشامل للديوان، ومنها استنبط ملامح الرؤية الشعرية. وكان الباحث في كل هذا يستنير بالدراسة الموازنة بين شعر ذي الرمة وشعر من سبقوه وبخاصة الجاهليون منهم، وقد أمده تخصصه في الأدب الجاهلي في مرحلة الماجستير ببعض مستلزمات هذه الدراسة الموازنة، التي توصل البحث من خلال استثمار نتائجها إلى تصور ملامح التقليد الفني لدى الشاعر إلى جانب تحديد الانحرافات الفنية عن مظاهر هذا التقليد، ومن ثم تأشير مكامن الإبداع الرمي.
وقد أفاد البحث فائدة جمة من الدراسات الحديثة والنفسية منها بخاصة، التي أمدت الباحث بأدوات استكناه النص الشعري واستنباط الأحكام النقدية من خلاله.
ويتسم هذا البحث بكونه نصياً، إذ ظل النص طوال مراحل البحث المرجعية التي يستند إليها الباحث مطمئناً، وأن استنار ببعض المعلومات الخارجية غير أنه لم يركن إليها، بل سرعان ما كان يعود إلى النص يحاكيه ويستبطنه ويؤوله. ولا يعني هذا أن البحث كان بنتويا، فالإشعاع الجمالي والتأثيري للنص كان هدفاً أساسياً يسعى إليه، ومن ثم خرج البحث من أسار الدراسات البنيوية بما تتسم به من تمحل وإزهاق لروح النص الشعري.
وقد رصد البحث كل صغيرة وكبيرة في المنظومة الشعرية الرمية، التي رأى الباحث أنها تصب في الرؤية الشعرية الطبيعية التي طبعت النص الرمي، ومنحته سماته المتفردة. وهكذا جرى تحديد الظواهر الفنية البارزة في الوقت نفسه الذي تم فيه رصد المؤشرات المحدودة التي لم يكن ثمة ضير من رصدها ودراستها، لأنها في المحصلة النهائية تدل على المنحى الرؤيوي والفلسفي والفني العام عينه، وإن لم يعمقها الشاعر على النحو الذي يحيلها إلى ظاهرة فنية في شعره.
وقد تتبع البحث الجذور الأسطورية والدينية والشعائرية التي أمدت رؤى الشاعر بنسفها ووجهت موهبته ومنحتها بعدها وعمقها الفكريين، ومن هنا عنى البحث بالتحري عن العناصر الجاهلية العربية، ومن قيلها الجذور السومرية والسامية المرتبطة بالشعوب والحضارات التي ازدهرت على أرض العرب، وبخاصة في وادي الرافدين، لمنح المرجعية الثقافية الرمية عمقها وجذرها الأصيلين إلى جانب محاولة تأويل النصوص الرامزة في عالم ذي الرمة الشعري.
إن الباحث وفي خضم مسعاه العلمي إلى أن يختط لعمله طريقة فنية وبحثية تتسم بالجدة وتبشر بنتائج أصيلة، ارتجل وابتكر مصطلحاته الخاصة إلى جانب استخدامه للمصطلحات المتداولة، وهو في هذا حاول أن يكسو نتائج البحث حلتها المناسبة، كلما وجد إلى ذلك سبيلاً. إقرأ المزيد