تاريخ النشر: 01/01/2003
الناشر: دار ابن حزم
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:"كان على الرجل إذا أراد أن يكون من العلماء أن يحمل مشقات الرحلات، ويثني الركب في المجالس، ويحيى الليالي في المطالعة، وينفق السنين في الطلب... فهان الأمر حتى اقتصر على عشرة أذرع من الشاش وجبة عريضة وسبحة طويلة، ولو لم يكن تحت العمامة إلا رأس فارغ من العلم، ولو ...لم يكن في الجبة إلا جسد يتربى بالحرام! فلما رأى العوام ذلك، وأبصروا ناساً لهم زي العلماء وأفكار الجهلاء وأعمال السفهاء، ورأوهم يصفون الأقدام في المساجد رياء ويحركون الألسنة بالتسبيح ظاهراً، لم يعرفوا أن هؤلاء أدعياء في العلم وأن الإسلام ينكرون ويأباهم، بل حسبوا أنهم هم العلماء وأنهم هم الصلحاء، واتخذوهم وسيلة إلى الطعن في العلم والصلاح.
وإذا أردتم أن تعرفوا مبلغ إيذاء هؤلاء القوم للإسلام فإني أسوق لكم مثلاً واحداً: قصة رجل يرونه اليوم ركناً من أركان التربية وهو من أركان الضلال، يكره الدين وأهله ويبعد الطلاب ما استطاع عنه وعنهم. كلمته في هذا من فمي إلى أذنه كلاماً طويلاً في مجلس حافل جمعني به في مصر، فكان من حجته أن شيخاً من هؤلاء المشايخ (ولا أقول العلماء) كان معلم الدين في المدرسة الابتدائية التي تعلم فيها، وكان من وصفه، وكان من حديثه، وكان من سيرته ما نفره من الدين وكرهه إليه.
ولم أقره على ما قال ولا سكت له، ولكني ازددت يقيناً بيني وبين نفسي بأن من الواجب أن نقضي على هذه الصناعة التي اسمها "المشيخة"، وأن نفهم الناس أن هذه المظاهر لا قيمة لها إن لم يكن معها علم صحيح وتقوى حقيقية، وأنها ليست شرطاً للعلم ولا للتقوى ولا تلازم بينها وبينهما، فرب عالم ليس بذي عمامة ولا جبة، ورب جاهل مخادع وهو صاحب عمامة كالبرج وكم جبة كالخرج."
لمحات إنسانية أودعها الكاتب هذا النص كما باقي نصوصه التي شكلت مادة هذه المجموعة من مؤلفات علي الطنطاوي، حيث يأخذ الكاتب القارئ إلى حيث يجد ذاته أحياناً أو يجد آخرين شكلوا أحياناً شخصيات بعض خواطره، كما يضعه في مواجهة مع الناس سارد أقصصهم منتقداً تصرفاتهم في محاولة منه لإصلاح ما يقومون له من أفعال يراها هو مناقضة للدين وللأخلاق الإسلامية، فينبه على التصرف وذلك من خلال تقديم مادة قصصية أو تصرف عكس من خلاله صورة مجتمعه بكافة جوانبه الإنسانية والحياتية. إقرأ المزيد