تاريخ النشر: 01/04/2004
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:"فتحت عينيها قبيل بزوغ الشمس بعد ليلة طويلة من الحمّى، دخل "سرياس" إلى خيمتها وجلس إلى جانبها على السرير. وضع يده على جبهتها، ولاطف شعرها. كان في عينيها بريق دموع عميقة. قال لها هامساً: سوف تلدين هذا النهار، هكذا أخبرتني الكاهنات. اليوم ستبدأ حكايتنا الجديدة، القوم ينتظرون ولادة طفلنا ...كي يدشن عهدنا في عطريّة، ويحيا العطر في الينابيع من جديد. نظرت في عينيه وأطبقت جفنيها، فانزلقت دمعتان على خدّيها، قال: أهي دموع الفرح؟ ظلّت صامتة وارتسمت على وجهها ابتسامة هادئة لكنّها ضجّت بمشاعر لا أوّل لآخرها. حسنا، سأترك الآن كي تنامي قليلاً. ثم خرج من الخيمة. شعرت أن الآلام التي تناوبت عليها أثناء الليل قد غادرت جسدها. نهضت من السرير وقد اتسعت في رأسها تفاصيل الحلم الذي رأته قبيل الفجر. أن زوجها يقترب منها ويقبّلها على بطنها، وفجأة تخرج من فمه لسان طويلة، ثم يزداد طولاً ويلتف على جسدها. اجتاحتها حينذاك رغبة قوية في السير على ضفة النهر. كانت خيمتها قريبة منها، تكفي بضع خطوات كي تصل بها. خرجت دون أن يلمحها أحد، واتجهت صوب النهر. مشت بين الورود التي بدأت تنمو من جديد بعد العاصفة التي اجتاحت عطرية. داعبتها وهي تغمض عينين حالمتين وتبسط ذراعيها كالأجنحة. قطفت وردة وجلست على ضفة النهر. تابعت خيوط الشمس وهي تصل إلى وجه النهر. فتبعثرت هنا وهناك مرايا. حوّلت نظرها إلى الضفة الأخرى فرأت رجلاً يعزف على الناي ويمشي خلف قطيع صغير من الغنم قبضت عنق وردة وتشممتها، ثم قالت: "كوني وردة يا وردة وحسب"، ورمتها إلى وجه النهر. وقفت ممتلئة بالارتعاش وخطت نحو الماء. كانت الحياة تنتفض في رحمها وتضحك. همست وهي مغمضة العينين مبتسمة: "كن نهراً، يا وَرْدَسي وحسب.. كن نهراً وخذني حيث تريد". نظرت في الماء فرأت وجه "روزبة" يبتسم لها ويستدرجها. مشت ومشت محاولة وصوله، لكنها في كل خطوة اكتشفت عمق المسافة التي تفصلهما، ومع ذلك أصرّت على المضيّ قدماً. ظلّت هكذا حتى غمرتها المياه وبلغت عنقها. نامت على ظهرها وراحت تختفي شيئاً فشيئاً...". في لحظات الانعتاق المادي تجتاحنا نغمات روحية... وترحل خيالاتنا إلى عوالم أسطورية، تصنعها إن لم تجدها، وهو ذا معتز أبو صالح الراحل خياله وراء أسطورة "عطريةّ" التي منحته قدرة نسج حكايتها التي تروي قصة ملك شاب "... كان اسمه مرجان". أمضى شبابه باحثاً عن الحبّ، عشق الكثير من الفتيات لكنه لم يجد فيهن المرأة التي كان يحلم بها. وعندما ضاقت به إمبراطورية عشقه هجرها وهام في أحضان الطبيعة كي يتوحّد مع فتاة أحلامه التي لم يعثر عليها خارج خياله، تلك الفتاة التي كان على يقين أنه لن يلقاها. لكنه حين تخيلها رسم فيها شيئاً من كل امرأة عرفها. ذات يوم جلس على ضفة النهر. أغمض عينيه واستسلم لخرير المياه، ثم راح يداعب فتاة أحلامه في مخيلته. انحنى فوق وجه النهر الهادئ وحملق في الماء. ارتعش إذ لم يعثر على صورته، بل رأى وجه حبيبته الخيالية متموجاً تحت سطح الماء. داهمه السؤال: "هل تحبني مثلما أحبها؟". انتفض من مكانه مشى بين الورود التي لبست ضفّة النهر، وراح يقطف منها... كل مرّة وردة من نوع مختلف، يستنشق عطرها ثم يذرّي تويجاتها واحدة تلو الأخرى فوق وجه النهر ويقول: "تحبني!.. لا تحبني!" وظلّ هكذا حتى قطف من جميع أصناف الورود. وعندما انتهى من نزع تويجيات الوردة الأخيرة تحوّل إلى وردة وجفّ النهر".
ويمضي خيال الكاتب في نسج أسطورة عطريّة للتحول إلى عمل روائي يكشف عن جموح الخيال الإنساني الذي يصنع أديباً وروائياً وإبداعات روائية. إقرأ المزيد