الحوار الإسلامي المسيحي، نحو مشروع للنضال المشترك
(0)    
المرتبة: 60,911
تاريخ النشر: 01/01/2004
الناشر: مؤسسة الإمام شمس الدين للحوار
نبذة نيل وفرات:تعتبر "صحيفة المدينة"، في نظر الفقهاء والمؤرخين، النص التأسيسي الأول للاجتماع السياسي الإسلامي في العهد النبوي، كما تتبوأ مكانة خاصة في فقه الإمام شمس الدين السياسي، فهي في نظره "تكشف عن النوايا الحقيقية للإسلام الذي أقدم لأول مرة في التاريخ الحضاري على إنشاء مجتمع واحد مختلط (وطني وسياسي ومدني) ...حيث يقوم الناس على اختلاف أديانهم بمسؤوليات واحدة في حياتهم الدنيا".
هذا وقد درج المسلمون، لاحقاً، على استخدام التعبير الفقهي "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا" للدلالة على هذه الشراكة المتكافئة بين مكوّنات المجتمع الواحد الدينية. إلى ذلك يرى الإمام شمس الدين أن "الحوار" هو القاعدة الكبرى الأساسية التي أقرها الإسلام في التعامل بين المسلمين وسائر أتباع الديانات السماوية الأخرى، لا سيما "أهلا لكتاب". وهذه القاعدة مطلقة، استناداً إلى آية التعارف: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...)، الموجهة إلى جميع الناس في كل زمان ومكان.
وفي إطار علاقة الحوار والتعارف هذه يتميز المسيحيون بكونهم أقرب الناس مودة للمسلمين، بحسب النص القرآني، والإيمان الإبراهيمي الكبير الذي يجمعهما. هذا على مستوى الشرع، ولكن بين الشرع والتاريخ مسافة شاسعة كانت في كثير من الأحيان مسكونة بغير الحوار الودّي البنّاء... كانت مسكونة بما يمكن أن نسميه "حوار السيف".
هذا الواقع التاريخي يدينه الإمام شمس الدين ويعتبره نتيجة كارثية للسياسات السلطوية الزمنية لدى الطرفين. ومن هنا فإنه يدعو إلى تنقية الذاكرة، على أساس النقد والنقد الذاتي، وعلى أساس التمييز الواضح بين نوازع الحكام الشريرة وتعاليم الأديان الخيّرة. علماً أن المراجعة الموضوعية، بهدف تجاوز الماضي الأليم، ليس من شأنها أن تعفي القيادات الدينية لدى الطرفين من مسؤولية التواطؤ أحياناً مع أطماع الحكام، كما فعل "فقهاء السلاطين" لدى المسلمين، و"قساوسة الملوك" لدى المسيحيين... لا سيما في حملات التبشير والاستشراق. كذلك لا يرجو الإمام فائدة كبيرة من حوار اللاهوت-علم الكلام، خصوصاً إذا كان هذا الحوار سجالياً واستعراضياً؛ لأنه بذلك يظهّر الخلافات ويضخمها بدلاً من تظهير المشتركات والتأسيس عليها.
ما هو إذاً الحوار المطلوب؟ إنه بالطبع، حوار الحياة، في إطار العيش معاً، والذي يقوم بصورة أساسية على اكتشاف المساحات المشتركة بين المسيحية والإسلام في قضايا الإنسان والمجتمع والحضارة، هذا الحوار هو الذي من شأنه أن يبني الحياة المشتركة، وينسجها خيطاً خيطاً، "فإما أن ننهض معاً، أو... نسقط فرادى!". بيد أن حوار الاعتراف بالآخر كما هو وكما يقدّم نفسه، وقبوله شريكاً مكافئاً كما هو وكما يرغب أن يكون، بعيداً عن نزعتي الغلبة والتماهي. هل تقف غايات الحوار الإسلامي المسيحي عند حدود التعارف والقبول المتبادل؟ إنها في نظر الإمام شمس الدين تتجاوز ذلك بكثير. إذ لا ينبغي للمسلمين والمسيحيين التوقف عند هذا الحد، بل عليهم، وانطلاقاً من نظام القيم المشترك، أن يسعوا معاً إلى مواجهة داء الحضارة الراهن الذي يتمثل بارتفاع مذهل في منسوب النزعة "الفاوستية" الافتراسية، وانخفاض فادع في منسوب الأخلاق والقيم الإيمانية على مختلف المستويات.
من هنا فإن دعوة الإمام شمس الدين هي إلى بلورة برنامج إسلامي مسيحي للنضال المشترك، على صعيد العالم، وحيال قضايا الإنسان والحضارة، لتصحيح عملية التقدم البشري، فيقيمها على ساقيها (المادة والروح) بدل أن تبقى كما هي الآن عرجاء تمشي على ساق واحدة، ويدفع ثمن تعثرها وسقوطها الإنسان نفسه ضياعاً أو شقاءً وانحطاطاً.
إن حواراً إسلامياً مسيحياً يضع نصب عينيه هذا الهدف السامي سيكون ضمير الإنسان وقلبها.
ضمن هذه المناخات تأتي مجموعة الأبحاث والدراسات والأحاديث الصحافية للإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والتي هي طيّ هذا الكتاب، وقد جاءت في مناسبات مختلفة، إلا أنها متآلفة بوحدة موضوعية هي العلاقات الإسلامية-المسيحية في تاريخها وواقعها ومرتجاها، كما أنها متآلفة بهدفها الواضح وهو الوصول بهذه العلاقات إلى تعاون وشراكة في العمق لما فيه خير الإنسانية جمعاء. وقد تمّ ترتيب النصوص حسب ترتيبها الزمني، بصرف النظر عن حجم كلٍّ منها أو قيمته النسبية، لما لهذا الترتيب من فائدة في متابعة أفكار الإمام. إقرأ المزيد