رؤية آينشتين لليهودية ودولة اليهود
(0)    
المرتبة: 42,794
تاريخ النشر: 01/01/2003
الناشر: دار الآداب
نبذة نيل وفرات:لم يتعرض العرب إلى آينشتين صاحب الرؤية الحضارية والتربوية والاشتراكية المكافح من أجل السلام العالمي، العادي للتسلح والعسكرة والداعي إلى إبطال العمل بقانون التجنيد الإلزامي، تلك الآفة التي بدأتها الثورة الفرنسية، ولم يطالع العرب في مرايا آينشتين صورة اليهودي وهويته الثقافية. ولم يضيء الباحثون العرب على علاقة آينشتين الإنسان ...والمفكر الموحد بآينشتين العالم، ولم يدرسوا المختلف والمؤتلف بين الصهيونية الروحية والصهيونية السياسية. ولم يتعرف العربي على رؤية اكبر علماء القرن العشرين للمسألة اليهودية وموقفه من الصراع العربي-الصهيوني وعلى إسهامه في رفد الحركة الصهيونية والمبررات التي علّل بها وجوب قيام دولة اليهود.
لقد بقي آينشتين مختزلاً في الوعي العربي العام إلى نظرية النسبية، وبقيت النظرية مختزلة إلى عناوين، وعاش الرجل الذي قلب صورة العالم في وعي قرائه ومات، وانقضى 47 عاماً على رحيله دون أن يجد له مكاناً في برامج ومقررات الدراسات الثقافية والعلوم الإنسانية التي تدرس في مؤسساتنا التربوية والتعليمية بشتى مستوياتها.
من هذا المنطلق كان لا بد من هذه الدراسة التي تتعامل مع آينشتين المفكر، بوصفه ظاهرة لا فرداً وتضيء الجذر اليهودي الثقافي الأعمق في تكوينه، وتوقفه شاهداً مؤهلاً، بأي مقياس، لأن يشهد على تجربة حيّة وخصوصية عاشها اليهود في أوروبا، وفي ألمانيا خصوصاً، بين بدايات الحرب العالمية الأولى وغداة انتهاء الثانية. وبصفته هذه يمثل آينشتين نموذجاً لليهود الذي يسابق الزمن لامتلاك العلوم والأفكار والتقانات الفنية والعلمية الأكثر حداثة في الوقت الذي يبقى مملوكاً ومرتهناً لديانة عتيمة يتداخل فيها الدين القديم بالقومية الحديثة، فإذا ما فصلت عقلانية العصر وعلمانيته بين الاثنين أسس المثقف الصهيوني العصري هويته القومية ومشروع دولة اليهود في الإثنية العرقية و/أو التقليد الثقافي، وصالح بين يهوديته وقوميته على قاعدة "ديننا غير قومي لكن قوميتنا دينية".
في هذا الضوء نقرأ تعريف آينشتين لنفسه بعبارة "أنا لست يهودياً بالمعنى الديني، لكن هويتي الثقافية هي اليهودية". وآينشتين يبرئ نفسه من النص التوراتي الأضيق من أن يتسع لعقلانيته، وهو عاشق الفلسفة والمسترشد بمنائر سبينوزا وكانط، أو لعلمه، وهو الذي أحدث ثورة في العلم، ولكن آينشتين المفكر والعالم يؤكد في المقابل انتماءه إلى تقليدٍ ثقافي تربوي يهودي حامل لقيم ومثالات إنسانوية روحية تشدّد على تميز الجماعة اليهودية برسولية روحية وحضارية تفردها عن سواها. وهذه القناعة أوجدت مساحة تلاقٍ وتقاطع بين آينشتين والحركة الصهيونية التي سعت به، أو سعى معها، إلى تحصين الأقليات اليهودية ضد الميل إلى الاندماج والتجانس مع الأكثريات الأوروبية، والعمل من ثمّ على قامة الوطن اليهودي الفريد الذي تتمرأى فيه الذات اليهودية الثقافية الفريدة.
إن الصهيونية لم تكن معنية أكثر مما كان آينشتين معنياً باليهودية كدين، ولم تكن أقل منه اعتناءً باليهود كلّه-أمة سعوا بها، وسعى معهم، إلى إخراجها من أرض أوروبا وحضارتها المأزومة إلى الأرض المقدسة القديمة في تظاهرة رجوعية تستعيد بشكلٍ واعٍ وغير واعٍ هجرة إبراهيم من مدينة أور إلى الصحراء، وخروج موسى بقومه من مدائن مصر إلى سيناء.
وآينشتين هو يهودي نموذجي في استبطانه للهوية اليهودية وفي اغترابه عن الأكثريات التي عاش بينها، وفي افتقاده للشعور بالانتماء إلى أوطان عاش فيها دون أن يكون منها. وقد بقي انتماؤه الديني المستبطن في وضع الكمون حتى أيقظه تحامل غير اليهود على اليهود وساقه سوقاً إلى جماعته الدينية التي وطنت هويتها الثقافية فيه طفلاً.
وبذلك يمثل آينشتين نموذجاً لليهودي المستنير الذي حفلت التجربة التاريخية المعاشة في وعيه فعل العامل الكيميائي المساعد، (Catalyst) وأحدثت تحولاً دراماتيكياً في وعيه تمظهر في نكوصه إلى القبيلة العبرية واستجارته بعلاقات القربى الحميمة. وهكذا كان أن توحّد أكبر علماء الفيزياء مع اليهودي الذي فيه وراح يحاور العالم الخارجي والآخر باسم الأنا المتحدة مع ذاتها الجماعية، الحقيقة والمستوهمة. وآينشتين المتراجع عن الكونية إلى الخصوصية يحمل أو يتحامل بدوره على الآخر، بقدر ما يستوهم ذاتاً مثالية يهودية يتباها في مراياها ويستعيل بها تجلياتها الملموسة في التاريخ.
وفي كل حال، يبقى هدف الباحث المركزي لدراسته هو إيقاف آينشتين، المتفرد بعبقريته والخصوصي في يهوديته، شاهداً يدل على جدلية التحدي والاستجابة بين اليهودي ومحيطه الأوروبي والأمريكي، وميزة هذا الشاهد أنه غير عادي بمقياس الحدس والخيال والعبقرية وشفافية الروح، ومقته للنمط الأمريِّ والآلي لحياة العسكري، والزهد بالثروة والشهرة، والتعالي على أعلى المناصب كما يثبت رفضه لمنصب رئاسة الدولة العبرية، وإعلاء صوت الضمير على كل سلطة. لكنه، على مميزاته الباهرة، يصبح قابلاً، نسبياً، للنمذجة بمقدار ما استجاب للتحدي النازي بآلية ردّ الفعل الديني-القومي المشروط المجانس للفعل نفسه حيث طابق الألماني بالنازي؛ وبقدر ما اصطف، هو الصهيوني الروحي المقدس للحياة والمعادي لكل أشكال العنف والقسر، مع الصهاينة ومشروعهم القومي الذي عجز إلى حدٍّ بعيد عن استبانة جوهره الاستعماري العنفي وتبصر أبعاده وتداعياته ومؤداه.. أليس هو القائل "إن السياسة أصعب من الفيزياء؟".نبذة الناشر:يتعامل مؤلف هذا الكتاب مع آينشتين في أبعاده الفلسفية والسياسية بوصفه ظاهرة (لا فرداً)، وشاهداً على جدلية التحدي والاستجابة بين اليهودي ومحيطه الأوروبي والأميركي.
في آينشتين يتنمذج الصهيوني الروحي المعني باليهود كملة أمة، الملحد، بمعايير دينية، والمؤمن بفرادة اليهودية كهوية ثقافية يتعالى بها ويتباهى في مراياها ويسعى إلى تجسيدها في وطن يهودي توهم أنه سيقدم للعالم نموذجاً حضارياً مغايراً للسائد.
وتكتسب شهادة آينشتين أهميتها ووزنها من عبقريته العلمية، وتفاعله مع مشكلات العالم انطلاقاً من رؤية تأتلف فيها الإنسانوية الشمولية والخصوصية اليهودية، الأمر الذي يجعله نموذجاً لما بين الصهيونية الروحية والصهيونية السياسية من تخالف وتوافق. إقرأ المزيد