المنهج البنائي في التفسير
(0)    
المرتبة: 65,653
تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:ظلت البلاغة القديمة تتناول النص القرآني تناولاً جزئياً، يهتم بالخصائص الدلالية والجمالية للكلمة والجملة والفقرة، من دون أن يتعدى ذلك لتحليل الخصائص المفهومية والفنية للنص بتمامه، من خلال تشخيص النسيج العضوي الذي تنتظم في سياقه الفقرات بمجموعها، فتشكل وحدة موضوعية، تشي بدلالات إضافية لا يحكيها التناول الجزئي للنص، مضافاً ...إلى أن محاولاة استجلاء الصورة الفنية للنص بملاحظة جمله وفقراته كوحدات مستقلة غير مترابطة، لن يؤدي غلى خفاء تلك الصورة فحسب، وإنما يعكس لنا دلالات مبعثرة، وصوراً مشتتة.
وعلى هذا الضوء انتهج جماعة من المفسرين في العصر الحديث منهجاً جديداً في التفسير الأدبي للقرآن، يستند إلى استجلاء الوحدة الموضويعة والوشائج العضوية التي تربط الآيات والسور القرآنية. وقد بدأت بذورها هذا الاتجاه في التفسير تظهر في تفسير محمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد مصطفى المراغي، لكن جهودهم في هذا الصدد لا تتعدى الإشارات واللمحات العابرة.
أما الولادة الحقيقية للتفسير الأدبي الحديث، وتبلور أصوله النظرية، وتدشين تلك الأصول في تجارب تفسيرية، فقد تبلورت على يد الشيخ أمين الخولي وتلامذته، حيث أصّل أمين الخولي بعض المرتكزات المنهجية لهذا الاتجاه في بحثه الذي كتبه تعليقاً على مادة "التفسير" في "دائرة المعارف الإسلامية". ثم توسع في بيانه في بحوث أخرى، وتمثلت تلميذته الدكتورة بنت الشاطئ شيئاً من هذه المرتكزات في كتابها "التفسير البياني للقرآن الكريم". وقد كان هناك تجربة رائدة في التفسير سبقت محاولة بنت الشاطئ بما يزيد عل ربع قرن، ظهرت للمرة الأولى في دروس التفسير التي ألقاها الشيخ محمد عبد الله درّاز على طلاب كلية أصول الدين بالجامع الأزهر، في أوائل العقد الرابع من القرن العشرين. وقدّم درّاز في دروسه التفسيرية أسلوباً آخر في التفسير الأدبي لا يتطابق مع أسلوب الشيخ أمين الخولي، وإن كان يتفق معه في السعي لاكتشاف الوحدة الموضوعية والنسيج العضوي في الآيات. ويكشف ذلك عن اهتمام الخولي بمعالجة موضوع قرآني معين، وصياغة موقف القرآن ازاءه، عبر تتبع موارده في القرآن، واستقراء دلالات اللفظ في ضوء استعمالاته المختلفة في الآيات، بينما نجد درّازاً يفتش عن الترابط العضوي في السورة ذاتها.
وبعدما يزيد من نصف قرن، طبق منهج درّاز في التفسير الشيخ محمد الغزالي في كتابه "نحو تفسير موضوعي لسور القرآ، الكريم" الذي اهتم فيه بدراسة الوحدة الموضوعية في كل سورة، وحاول أن يكتشف الأواصر بين ميستهل السورة ووسطها وختامها، ويوضح ما خفي من دلالات مشتركة وراء المدلول الخاص للآيات. وقد كان لسيد قطب دوراً رائداً في انتهاج أسلوب متميز في التفسير الأدبي، افتتح فيه حقلاً آخر يعالج وحدة التصوير والتعبير في نصوص القرآن.
ومن الجهود المتميزة في هذا اللون من التفسير آثار محمود البستاني، الذي نشر كتابه "في التعبير القرآني" سنة 1980، وضمنه نموذجاً تطبيقياً للتفسير البياني أو كما يصطلح عليه هو "التفسير البنائي أو العضوي" ثم واصل تطبيق منهج التفسير البنائي على القرآن الكريم في تفسيره "عمارة السورة القرآنية". فأكمله في ستة مجلدات في طريقها للصدور. كما استخلص رؤى أولية للأصول النظرية لهذا التفسير، والتي تمثل القسم الأول من كتابه هذا "المنهج البنائي في التفسير" الذي نقلب صفحاته. فيما يشتمل القسم الثاني على مجموعة نماذج تطبيقية للمنهج، تحركت مع سورة القرآن الكريم حسب مساحتها. فبدأت بأطول سورة في القرآن "البقرة"، إلى "سورة المؤمون" وتلتها بـ"سورة مريم" و"سورة تبارك"، وأخيراً اختتمت تلك النماذج بواحدة من السور القصار، هي "سورة الماعون".
وقد حرص الدكتور البستاني أن يجسد لنا ملامح منهجخه في التفسير في رحلة تواكب السور القرآنية من أكبرها إلى واحدة من السور الصغرى، موضحاً أن الحافز الذي دفعه إلى تناول النص القرآني في ضوء بنائه الهندسي أو العماري أو البنائي، يتلخص في أن القرآن الكريم ما دام قد انتظم في سور خاصة فلا بد من أسرار خاصة تكمن وراء ذلك، وإلاّ كان من الممكن أن ينتظم بصيغة أخرى، وهذا يعني أن السر لا ينحصر في مجرد تيسير عملية القراءة بقدر ما يتجاوزها إلى أسرار أخرى يكتشفها من يتدبر السور.
وكتاب الدكتور محمود البستاني هذا هو واحدة في سلسلة كتب مجلة "قضايا إسلامية معاصرة" ونشرها بغية التعريف بالاتجاهات الحديثة في التفسير والسعي لتعميق البحث فيها، واكتشاف مجالاتها وآفاقها المتنوعة، ووصلها بواقع المسلمين، ومتطلباتهم المعرفية والاجتماعية. إقرأ المزيد