تاريخ النشر: 01/01/1998
الناشر: دار مكتبة سماحة
ينصح لأعمار بين: 15-18 سنوات
نبذة نيل وفرات:الحكاية وجه من وجوه السمر الأصيل، يتداولها الساهرون في ليالي الشتاء الباردة حين يكرهون على البقاء في منازلهم والجلوس إلى المواقد المشتعلة بالحطب، ينعمون بالدفء ويتسامرون إلى أن تقع الدهشة في العقول والمتعة في النفوس، ويحين وقت الرقاد...
وتلازم الجدة حشيتها، في زاوية قريبة من الدفء. فيتحلق حولها الأحفاد الصغار، ...ويستحيل المكان إلى جوّ هادئ لا أثر فيه للصخب واللهو.. ويتتالى معها شريط العجائب والغرائب، في حكايات تمتع وتفيد في آن...
فالجدة التي داهمتها السنون، وغيرت ملامحها الأيام، تصبح أكثر تقرباً من صغار العائلة. فهي ترى فيهم صورة طفولتها مجسدة بالبراءة، وصورة فتوتها تعود فتتحرك أمامها ويخفق لها الفؤاد. وهم يرون فيها أجسادهم وقلوبهم وعقولهم، ورمزاً للتعقل والخبرة في الحياة. يلجأون إليها في ساعاتهم الصعبة، فتزودهم بالنصح والإرشاد، ويستشيرونها في كل أمر ملحّ ينعكس أسئلة محرجة، فتقدم لهم الجواب الشافي والخبر الصحيح.
هذه الصورة -صورة "أم القصص" التي انطبعت بالبراءة والصفاء، وانتضحت بالحكمة وصدق النظرة، تطالعنا في "حكايات جدتي" للدكتور ميخائيل مسعود. فإذا بنا أمام شخصيتين أساسيتين: الجدة، والكاتب.
الجدة صاحبة الحضور الدائم في الحكاية، فهي التي تنتج الذكريات، وتثير فينا مشاعر الفرح، وهي التي تصنع الحدث وتعطيه الحركة الداخلية. أما شخصية الكاتب، فهي المحور الذي منه تستمد الذكريات، وهي الذات المرهفة التي تمد الحادثة بالحركة والإيقاع والصورة واللغة والموعظة.
فالعلاقة بين الجدة والكاتب، هي علاقة انعطافية بين جيلين: جيل يحرك الماضي ويعيده بأمل الحياة، وجيل يصوره بريشة الرسام المبدع فيبعث فيه روح العلم ويجعله محطة للتذكر والمحاكاة.
من هنا، كان لحكايات الأديب ميخائيل مسعود طعم خاص يستجلب انتباه الصغار، ويحولهم عن اللعب والعبث ويجعلهم آذاناً صاغية إلى استماع ما يروى والإنصات إلى جدة الحاكية بشوق وشغف، لعلهم يتذكرون صفحات من تاريخ القرية اللبنانية التي صارت أوراقاً منسية على طريق الزوال، وكانت حلم الطفولة في أساطيرها والحكايات...
وإذا كانت الحكاية اللبنانية متأثرة بتقاليد محلية "فحكايات جدتي" جمعت بين طرائق التفكير والعادات واللغة، وبين روح التاريخ التي ترفرف في ثنايا روايات وقصص معروفة في عالم الأساطير القديمة، من جهة أخرى: فحكاية "سليمان الحكيم"، مثلاً، مقبسة من "مزامير النبي داود". وهي تروي قصة رجلين متخاصمين: أحدهما ظالم، والآخر مظلوم، راحا يتشاكيان أمام الملك داود لوضع الحق في نصابه، بعد أن عاث قطيع أحدهما فساداً في رعية كرم الآخر الذي لا يملك سواه.
ويمكن تسمية هذا النوع، بالحكاية-الحادثة، أو الحكاية-السردية، فهو يعتمد على حركتين: حركة عضوية تعبر عن سلوك الشخصيات وتصرفاتهم، وحركة ذهنية تعبر عن الفكرة المرادة.
فالكاتب يقف وراء جدته، يحكي، يخبر، وينقل الحدث، ببساطة فيها مغزى وفيها راحة نفسية، ولكنه لم يستخدم الأسلوب البلاغي المتشح بالإسهاب والمبالغة في الوصف. فهو يقتبس موضوع الحكاية من أحاديث خرافية أو حوادث حقيقية امتزج فيها الواقع بالخيال. ثم يسرد أخبارها بقلم المربي ورهافة الأديب. يتعامل وتعابير مفعمة بصدق الانفعال وإثارة الحواس، دون أن يتخلى عن بعض الصور التي توضح الفكرة.
في "حكايات جدتي" تشعر بأنك في رحلة مشوقة في قلب الحاضر، لا ينكسر معها جفن ولا يغلب كرى في عين... تشعر وكأن متعة تهزك دون أن تحيد بك عن مسالك القيم والفضائل...
ويزيد من قيمة الحكايا عند الأديب الدكتور ميخائيل مسعود، تحويلها من مساق التسلية والتندر، وإدخالها في صلب الكيان المدرسي والثقافة التربوية والعائلية.. فهي تدعو إلى الخير والصلاح والعدل، كما تدعو إلى الكف عن الشر، ونبذ الظلم والفساد... فالحكمة للشيوخ، والقوة للشباب، والعدالة للحكام... والذي جعل من هذه الحكايا فوائد عميمة "البطاقة التربوية" التي لحقتها، وهي تتضمن أسئلة متنوعة حول النصوص، مستوحاة من الحوادث. وكلها تهدف إلى تسليط الضوء على الغاية السردية، وحثّ التلامذة على شحذ الذهن بما يتلاءم والمطالعة الشخصية... إقرأ المزيد